بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله .
وبعد .
فإن العنوانَ موفَّقٌ ، لكن ملقيه غير موفَّقٌّ ، ومثلُ هذه العناوين ، لا
يحسنُها إلا الكبار ، لكنها تجرِبةٌ أسأل اللهَ بها النفعَ والقَبول .
قال الرحبي في ( الرحبية ) :
. . . . . . . . . .** فاحفظْ فكلُّ حافظ ٍ إمام ُ .
وقال العلماء ( من حفظ َ المتون – حازَ الفنون )
ولا يسيطرُ طالبُ العلم ِ على معلوماتِه ، ولو قرأ ما قرأ وبلغ ذكاؤه ما
بلغ ، إلا بالحفظ .
وقال الإمامُ المحقِّقُ ابنُ حزم ٍ الظاهري ، وهم يحرقون كتُبه :
إنْ تحرقوا القرْطاسَ لن تحرِقوا الذي * حوى القرطاس بل
هو في صدريْ
يسيرُ معي حيثُ استقلَّت ركائبي ** وينزلُ إن أنزلْ
ويدفن في قبريْ
ثُمَّ إنَّ الناسَ متفاوتون في الفهم ِ، كما هم متفاوتون في الحفظ.
فمنهم من يحفظ سريعاً .. وينسى سريعا ، ومنهم من حفظه بطيئٌ .. وينسى سريعا
.
وأعلاهم :
من يحفظ سريعا .. وينسى بطيئا .
ثم :
من يحفظُ بطيئًا .. وينسى بطيئا .
وأدناهم :
من حفظه بطيئٌ ٍ .. وينسى سريعا ً .
والغالب على طلبةِ العلم : أنَّ حفظهم ونسيانَهم
سيِّان ، والتوسُّط فيهما .
ولذلك ؛ فإن المقْـدِم على حفظ المتون القصيرة ، كمتنِ الآجرُّوميَّة ،ِ
ومتن الورقات ، والبيقونيَّة ، أو الطويلة ، كألفيَّة ابنِ مالك ، ومراقي
السُّعود، والشاطبية ، وأمثالهمَا ؛ بحاجة ٍ لبرنامج ينهجُ عليه ، ليكمِل
مسيرَه ، ولئّلا تحول دون حفظه المعوِّقاتِ ، فيُمسكُ عنه .
وقبل أن أبدأ بالمسالك لحفظ ألفية ابن مالك، أذكر
أمورًا هامَّة يجدرُ بالحافظ التمسكُّ بها:
(1) لم أرَ وقتًا للحفظ، أجمل من هذين (
وقت السحر إلى طلوع الشمس ) (
بين المغرب والعشاء ) فإنَّ الذهنَ يكونُ
صافيًّا نقيًّا.
(2) البعدُ عن الأماكن التي تكثر فيها الملهيات
والمشغلات ، خاصةً البيت الزوجي مع الأولاد .
(3) إخلاصُ النية ، وإخفاء الهمَّة ، فبعضهم إذا
وجدَ صاحبَه قال له ( حفظتُ 500 بيتاً من ألفيةِ ابن
مالك ) فيقول صاحبُه : ما شاء الله .. ما شاء الله .. اللهم بارك ..
اللهم بارك ، وبالتالي(أ) يكبرُ الحافظ ، فيقول
: قد سلكتُ زمنًا في الحفظ ، علِّي أخفِّفْ ما أحفظه ،
ثم يقول : أنا أحفظ 500 بيت ، فلأتوقف قليلًا ، وهكذا ! حتى تزول
الهمَّة(ب).
(4) تركُ المعاصي ( شكوتُ
إلى وكيع ٍ سوءَ حفظي – فأرشدني إلى ترك المعاصي)
(5) الإقلال من الطعام فإنَّ( البطنة تذهب الفطنة
) ( فإنَّ الداءَ أكثر ما تراهُ * يكون من الطعام ِ والشَّرابِ) والحرص على
العسل ، والزبيب ، وماء زمزم .
(6) الجدُّ والمواظبة في الحفظ (
من طلب العلا سهر الليالي ).
(7) كلَّما شاب بك العمرُ ، خفَّ ضبطُك ، والحفظُ في الصِّغرِ كالنَّقشِ في
الحجرِ.
( فوائد الحفظ )
(1) العلم ما حواهُ الصدر لا ما حواه القِمـطرُ
.
(2) يصحبكُ الحفظُ أينما ذهبت َ ، فقد قال عبد
الزراق : كل علم ٍ لا يدخل مع صاحبه الحمام فلا تعده علمًا .
(3) إعمال الذاكرة .
(4)ضبطُ العلم ِ ، وجمعُه .
( مسالكُ حفظِ ألفيَّة ابن مالك )
تـتنوع المشاربُ في حفظ ألفيَّة ابن مالك ، وعلةُ ذلك :
ما قلته أولًا ، من الحفظِ البطيء والنسيان السريع .
قاعدةٌ مهمَّة ( من حفظَ سريعًا نسيَ سريعًا ) و
( من حفظ بطئيًا نسيَ بطيئًا ) .
(1) حفظ ثلاثةِ أبيات من الألفية كلَّ يوم ٍ،
وهي طريقةُ الشيخ أحمد الحازمي.
مناقبها:
الحفظُ البطيء، النسيان البطيء، لا إكثار في المحفوظ، طولُ
مدَّة الحفظ ِ مع الإنجاز، الانتهاء خلال سنة كاملةٍ –
بإذن الله -.
مثالبها:
المللُ / العلاج : ربطُ الأبيات
ِ بقراءةِ الشَّرح ، أو تخصيصُ شيخٍ لك يشرحُ كلَّ يوم ثلاثة أبيات .
(2) حفظ (10) أبياتٍ كلَّ يوم ٍ عدا (
يوم الجمعة ) فيخصَّصُ للمراجعة.
مناقبها:
توسُّط الحفظِ، توسط النسيان، توسُّط الإنجاز، الانتهاء
خلال أربعة شهور –تقريبًا-
مثالبها:
سرعةُ النسيان / العلاج: تَكرار
كلِّ بيت ( 100 ) مرة.
(3) حفظ (20) بيتًا كلَّ يوم، عدا يوميِ الاثنين
والجمعة، فيخصَّصُ للمراجعة.
مناقبها:
الحفظ السريع، سرعةُ الإنجاز، الانتهاء خلال شهرين ونصف –
تقريبًا -.
مثالبها:
سرعةُ النِّسيان ، / العلاج:
تَكرارُ كلِّ بيتٍ (50) مرةً .
كثرةُ المحفوظ في اليوم ، / العلاج: الانتقال
إلى الطريقة الثانية .
(4) حفظُ المقرَّر ـ من جامعة ٍ أو معهد ٍ أو
شيخ ٍ – وذلك: بحفظ الأبيات المشروحة في كلِّ
درسٍ .
مناقبها:
إجبار النفسِ ، فهمُ المحفوظ ، لا مدةً للإنجازِ ؛ فهو راجع
إلى المقرَّر .
(كيفيَّةُ الحفظِ)
أكثرُ ما انتفعتُ به في وضعُ (5) دقائق ، لكلِّ بيت ، أو (3) دقائق للبيت
الواحد ، بأن تكرِّرْ البيت حتى ينتهيَ الوقتُ ، وفيه فوائد :
(1) إكمال المقرَّر اليومي (2) ضبطُ المحفوظ (3) النشاطُ حينَ الحفظ ِ .
( ضبطُ المحفوظ )
قال الشيخ عبد العزيز الطريفي / اعلم
أولا ، أنَّ آفة العلم ( النسيان ) ولولاهُ لأصبح الكلُّ علماء .
(1) لا أنفعَ من التَّـكرار ، فقد يكرَّرُ
المحفوظ من (50) إلى (200) مرةً ، مع تهيئةٍ يوم أو يومين لمراجعةِ المحفوظ
.
(2) الاستدلالُ بالمحفوظ ،(ج)
وذلك بذكره في موطن الاستدلال ، فإن ذُكرتْ لك مسألةُ ( مواضع همزة إن فوق
الألف وتحتها ) فتسـتشهد بجميعِ مواضعها من ألفية ابن مالك :
( وهمزَ إنَّ افتحْ لسدِّ مصدرِ * مسدِّها وفي سوى ذاكَ اكسرِ) إلخ ..
(3) اتخاذُ الصَّاحبِ في الحفظ ِوالمراجعة
سويًّا ، فهو محفِّزٌ ومنافسَةٌ لإكمال المسير.
( تنويهٌ )
الطرقُ –ولله الحمد – مجرَّبةٌ وأفضلها ( الطريقة
الرابعة ) بل كنتُ أقرأ المحفوظ عند الشيخ فأنحرجُ إنْ لمْ أحفظْ ،
وإنْ لم أضبطْ ، وإنْ لم أسمِّعْ .
( تنبيهات )
(1)تستطيع أن تطبِّق هذه القواعد ، على متن ٍ
غيرَ ألفية ِ ابن مالك ، وهذا راجعٌ إلى التجرِبة ، والله المعين.
(2)سبب تكرار المحفوظ ، هو الانتهاء من مدة
الحفظ ، مع الضبط ، وإلا لو حفظ وحفظ وحفظ ولم يراجع ، لانتهى منها وهو
بحاجة إلى إعادة حفظِها ، بل نفسُه تمتنع عن إعادة ِ جهده ، ولا يعلم أنه
تطايرَ كالريشِ في الهواء ، والله الموفِّق.
وقال أحدهم / وما سُمَّي
الإنسانُ إلا لنسيهِ * ولا القلبُ إلا أنه
يتقلَّبُ .
وقالوا قديمًا / إنَّ أولَ
ناسٍ أولُ الناس ِ –آدم عليه السلام - .
(3) من أفضل الشروح للمبتدئ في ألفية ابن مالك (
الشرح الميسر ) لعبد العزير الحربي
(4) نستطيعُ أن نبتدعَ طريقة خامسةً لحفظ (
ألفية ابن مالك ) وذلك حسبَ التوفيق ، إذا كنت
في راحلة ، أو عند إشارة المرور ، أو وقت النزهة ، إلخ ..
أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا ، وأن نعمل بما تعلَّمنا ، إنه على ذلك قدير
، وبالإجابة جدير .
وكتبه / أبو الهمام البرقاوي .
ليلة الجمعة ، الموافق(13 / 11 / 1431 ) هـ
ـــــــ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showth...E1%CA%C7%E1%ED (أ)
(ب) ليس هذا على إطلاقه ، فأحياناً يتحمَّسُ الحافظُ حينَ يخبِر عمَّا حفظه
، خاصةً إن وضعَ وقتًا محدَّدًا لانتهاء المحفوظ ، فيخجلُ إن فات وقتُه ،
ولم يحفظ ، وقد أخبر شيخه أو صاحبَه .
(ج) أفادنيها أبو مالك العوضي .
المراجع :
مقال الشيخ عبد الكريم الخضير في أهمية الحفظ .
http://www.saaid.net/mktarat/alalm/50.htm وصايا لحفظ المتون للشيخ
سليمان الحربي ، وهي رائعة بما تحمله الكلمة .