|
الْحَمْدُ لله ، وَالصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ
الله .
أَمّا بَعْدُ :
يَا طَالِبَ الْعِلْمِ اسْتَمِـعْ …حَتَّـى بِرسْمي تَنْتَفِـعْ
إنْ كُنْتَ تَبْغِي سُلَّمَـا ... بِالْعِلْمِ جَمْعًا تَرْتَفِــعْ
هَذِي حُرُوفُ الْمُرْتَجِي...نَفْعَ الصَّحَابِ وَالْجَمِـعْ
فَاللـهَ نَسْأَلْ يَا أَخِـي … أَجْرَاً لِيَوْمٍ نَرْتَجِــعْ
فَهَذِهِ - يَا طَالِبَ الْعِلْمِ - دُرُوسٌ عَامَّة فِي كَيْفِيَّةِ
التَّصْنِيفِ وَالتَّأْلِيف ، لِمَنْ آتَاهُ اللهُ فَهْمَاً ثَاقِبَاً ،
وَاطِّلاَعَا وَاسِعَاً .
بينَ يديِ الرّسالة :
لاَ بُدُّ قَبْلَ الْبَدْءِ بِمَوْضُوعِنَا ؛
أَنْ نَسْتَحْضِرَ بَعْضاً مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيما
يَتَعَلَّقُ بِالتَّصْنِيفِ؛ إذْ يَزْعُمُ بَعْضُ النّاسِ ؛ بِأَنَّ
الْكُتُبَ الْقَدِيمَةَ يُوجَدُ فِيهَا كُلُّ شَيْءٍ ؛ مِمّا يَحْتَاجُهُ
الْمُسْلِمُونَ الْيَوْمَ ؛ وَلاَ حَاجَةَ إلَى التَّأْلِيفِ أَوِ
التَّصْنِيفِ !
وَأَنَا أَقُولُ : هَذَا خَطَأٌ مِنَ الْقَائِل - مَعَ الاِعْتِرَافِ
بِفَضْلِ الأَوَائِل -؛ وَذَلِكَ مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ:
أَوّلاً :
كَلاَمُهُ لاَ يَسْتَنِدُ إلَى قَاعِدَةٍ عِلْمِيّةٍ ، أَوْ أَدِلَّةٍ
شَرْعِيّة ؛ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ اجْتِهَادٍ شَخْصِيٍّ مَبْنِيٍّ عَلَى
شَفَا جُرْفٍ هَارٍ ! وَهَذَا -وَحْدَهُ -كَافٍ لِرَدِّهِ مِنْ مِئَاتِ
الْوُجُوهِ !!
ثَانِيَاً :
نَسْأَلُ الزَّاعِمَ : وَأَيُّ ضَرَرٍ يُحْدِثُهُ التَّصْنِيفُ عَلَيْكَ
أَوْ عَلَى الأُمَّةِ ؟!!
ثَالِثَاً :
وَأَيُّ نَفْعٍ سَتَنَالُهُ الأُمَّةُ مِنْ مَنْعِ التَّصْنِيفِ
وَالتَّأْلِيفِ ؟!
رَابِعاً :
وَمَنْ ذَا الَّذِي يُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله ؟!
خَامِساً :
لَوْلاَ الْكُتُبُ الْحَدِيثَةُ وَالتَّصَانِيفُ الْعَدِيدَةُ ؛ مَا
حُفِظَتِ الْكُتُبُ الْقَدِيمَة ؛ فَهِيَ
- تَمَامَاً - كَالْقِشْرَةِ وَلُبِّهَا ؛ لاَ يَسْتَغْنِي أَحَدُهُمَا
عَنِ الآخَرِ ؛ إلاَّ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَسْبَقُ وُجُوداً ، وَأَنْفَعُ
حَاجَةً !
سَادِسًاً :
أَمّا مَسأَلَةُ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ ؛ فَلاَ ضَابِطَ لَهَا ، وَلاَ
مَاسِكَ لِخِطَامِ زِمَامِهَا ؛ فَعِلْمُ مَا فِي السُّطُور سَبَقَهُ
عِلْمُ مَا فِي الصُّدُور ، وَهَكَذَا تَجْرِي الأُمُور : يُصْبِحُ
الْقَدِيمُ حَدِيثَاً نِسْبَةً لِمَا قَبْلَهُ ، وَيُصْبِحُ الْحَدِيثُ
قَدِيمًا نِسْبَةً لِمَا بَعْدَهُ ، وَهَكَذَا دَوَالَيْكَ ؛ فَحَنَانَيْكَ
!!
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ - ، قَالَ : قَالَ : رَسُولُ اللهُ
- صَلَّى الله علَيهِ وسلَّم - : «قيِّدُو العلمَ بالكتَاب» .
قَالَ الْعلماءُ : «ينبغِي أَن لا يخلُوَ
التَّصنيفُ من أَحد المعاني الثّمانية ؛ الّتي تُصنِّف لها العلماءُ ؛ وهي
:
أوّلاً : «
اختراعُ معـدوم» ؛ أَي : لم تُسبَق إليه - فيما تعلم وتعتقد -.
ثانياً : «
جَمِـعُ مُفتَـرقٍ » ؛ أي : مسأَلة مُشتّتة وَأَدلَّتُها في بطون الكُتب ؛
تَجمعها في كتاب واحد .
ثالثاً :
«تكميـلُ ناقـصٍ » ؛ أَي : أنَّ الموضوع لم يكتمل فيه جانب من الجوانب ؛
فتُكمِلُه أَنتَ .
رابعاً :
«تفصيـلُ مجمـلٍ» ؛ أي : أَنَّك تفصِّل المسأَلةَ شيئاً فشيئاً حتّى يذهبَ
تراكم المعاني ، ويتضّح المراد .
خامساً:
«تهـذيبُ مطـوَّلٍ» ؛ أي : أَنّك تلجأُ إلى الاختصار دون الإخلاَل .
سادساً:
«ترتيـبُ مُخلَّـطٍ» ؛ أَي : أَنّك تقدِّمُ وتؤَخّر في ترتيب المادّة أوِ
الموضوع.
سابعاً :
«تعيـينُ مبهـمٍ » ؛ أَي : أنّك تعيّن وجود موضع خفيّ في مسأَلة أو نقطة أو
نكتة لتظهرها ، وتجلّي أمرها .
ثامناً :
«تبيـينُ خطـإٍ» ؛ أَي : أَنّك تصحّح خطأَ الغَير إذا أَيقنت صواب ما أَنت
عليه.
وَأخيراً أرجو الله أن ينفع بها طلبة العلم ؛ المنتظرين من يفجِّر لديهمُ
الطّاقات ، وَأن لا يحرم الأمّة من الإبداعات .
وهذا أَوان الشّروع في المشروع ؛ فأَقول - وبالله التّوفيق - :
المرحلـةُ الأُولـى
(التخصّص)
أُوصِي - والوصيّة غيـرُ مُلزِمـة ؛
بل مُعلِمة:
أَنْ تَسْتَجْمِعَ قُوَاكَ الْعَقْلِيَّةِ وَالذِّهْنِيَّة ؛ إذا عزمتَ
أَمرك ، ووفَّرت مِدَادك ، وَشَحذْت قلمك .
وَأَنْ لاَ تَخْرُجَ عَنِ اخْتِصَاصِكَ فِي أَيٍّ مِنَ الْفُنُونِ
الْعِلْمِيّة ؛ الَّتِي دَرَجْتَ عَلَيْهَا ؛ وهذا أمرٌ طبيعيٌّ ؛ لأنّ
العلوم تعود إلى أَصلين لا ثالِثَ لهما - فيما أعلم - :
الأَصل الأَوّل :
علوم تُدرك بالعقل ؛ خاصّة فيما يتعلّق بالحواسّ عند أنواع المخلوقات.
والأَصل الثّاني :
علوم تدرك بالنّقل - أَو فيما يسمّيه البعض بالسّمعيّات أَوِ الخبريّات -؛
وهي الّتي لا تُدركُ إلاّ عن طريق الشّارع والشّرع ، وَأَمّا العقل ؛ فلا
مجال له فيها سوى التّلقّي والتّسليم .
فالتّخصُّص والتّنوّع مطلب طبيعيٌّ لدَى الإنسان لا مفرّ له منه .
ومن المعلوم - أَيضاً - : أَنّ الاختصاص له أَهمّيةٌ من حيث الإتقانُ ،
والقوّةُ ، والإبداعُ ، والإحاطةُ ، وقلّةُ الوقوع في الأخطاء ، وعدَمُ
الاختصاص قد يوقعك في مزالقَ ؛ أَنت عنها في غَـناء ، وقد ذُكِر عن العلماء
:
( مَنْ تَكَلَّمَ فِي غَيْرِ فَنِّهِ ؛ فَقَدْ أَتَى بِالْعَجَائب) .
وقالوا - أَيضاً - :
فَاعْنَ بِهِ وَلا تَخضْ بالظّنِّ ... وَلا تُؤيّدْ غيرَ أَهل الفنِّ
وقالوا - أَيضاً - :
«منْ تكلَّفَ ما جهل ، ولم تـثبِّتْه المعرفةُ كانت موافقـتُه للصّواب
غيـرَ محمودة ، وكان خطؤُه غيـرَ مغفور ؛ إذا ما نطق فيما لم يحط به علماً»
.
وقالوا - أَيضاً - : «لوْ تأَمّل المتأمّل بالنّظر العميق ، والفكر الدّقيق
؛ لَعلِم أنّ لكلّ علمٍ خاصِّيةً».
وقالو - أَيضاً - : «لولا أهلُ المحابر ؛ لخطبة الزّنادقة على المنابر» -
وليس اليوم إلاّ هم يخطبون - !!
وقالوا - أَيضاً - : «أَهلُ الحديث أَعظم درجةً من الفقهاء » .
ولذَا ؛ فقد درج العلماء قديماً وحديثاً على الاختصاص ؛ فجعلوا - مثلاً - :
المحدِّثُ : منوط به دراسةُ علم الحديث روايةً ودرايةً ؛ جرحاً وتعديلاً ؛
فهو كلّ شيْء صدر ؛ من حديث ، أَو خبر ، أَو أَثر ، وما يتعلّق بها من
أَحوال الرّواة .
الأُصولِيُّ : مَنُوطٌ به علم دراسة الأحكام الشّرعية من أَدلَّتها
الأُصوليّة ؛ مثلِ : القرآن ، والسّنّة ، والإجماع ، والقياس ... إلخ ،
وكيفيّة دلالالتها اللّفظية والحُكميّة ؛ من أَمرٍ ، وَنهي ، وعامّ ، وخاصّ
... إلخ.
الفقيه : منوط به قسمُ العبادات ، وَقسمُ المعاملات ، أَوِ السّياسة
المدنية ؛ فهو المطلوب منه أَن يقعّد القواعد الفقهيّة ؛ الّتي تُبنى من
خلال علم الأُصوليّ .
المفسِّر : منوطٌ به علوم القرآن ؛ من التفسير ، ومعرفة أسباب النّزول ،
وآيات الأحكام ، والجمع ، والترتيب ، ومعرفة المكّيّ والمدنيّ ، وغير ذلك .
المتكلِّم : منوط به علم المخاصمة ، والرّدّ على الفرق الضّالّة الأَربع ؛
من اليهود ، والنّصارى ، والمشركين ، والمنافقين ، وأزيد : الشّيعة ؛ فهم
بحاجة إلى أمثال شيخ الإسلام ابن تيميّة ؛ لذا لا أَنصح المبتدي بمحاولة
مقارعتهم .
(ملحوظة ) : غالب علماء الأصول ؛ من أَهل الكلام ؛ بلا ملام !
الواعظ : منوط به علمُ التَّذكير بآلاء الله : كخلق السّموات والأَرَضِين ،
وإلهام العباد ما ينبغي لهم ، وبيان صفات الله القولية ، والفعلية ،
والذّاتية ، والتّذكير بأيّام الله القادمات، والجنّة والنّار وغير ذلك .
أَخي الطّالبُ !
ذكرنا بعضَ الأمثلة على أَهميّة الاختصاص ؛ وهي أَهمّ مراحل التّأْليف ؛ بل
هي جُمّاعُ التّصنيف .
المرحلة الثّانية
أَوّلاً :
عليه أن لا يتعجّل في إخبار النّاس لأَيٍّ كان ، ويستعينَ على إنجاح حاجته
بالكتمان؛ لأنّ القاعدة تقول : (من تعجّل الشّيء قبل أَوانه ؛ عوقب بحرمانه
) ؛ لكن نستثني من هذه القاعدةِ شيخَك ؛ لأنّه دائم الاطّلاع ، خرّيت الباع
، ثمّ الأستاذ أعلم منك بدون نزاع.
وزد على ذلك :
- أنّ شيخك يوفّر عليك الوقت والْمَقْت .
- وأنّ شيخك لا يمنع الخير عنك .
- وأَنّ شيخك أَعرف منك بقدراتك .
- وأنّ شيخك يستر عليك عيوبك .
- وأنّ شيخك يحبّ لك الخير ، ولا يتمنّى زوال النّعمة عنك .
ثانِياً :
أَنْ تُحَاوِلَ اخْتِيَارَ مَوْضُوعٍ لَمْ تُسْبَقْ إلَيْهِ ، أَوْ
بِمَعْنًى آخَرَ : أَنْ تُحَاوِلَ إضَافَةَ شَيْءٍ جِدِيدٍ إلَى
الْمَكْتَبَةِ الإسْلاَمِيَّةِ ؛ وَهَذَا مِنْ مَقَاصِدِ التَّأْلِيفِ ؛
الّتي ذكَرناها في السّابق ؛ لأَنّ تحصيل الحاصل في المنطق باطل .
ومعرفةُ اختيار موضوع ؛لم يُسبق إليه المصنّف من الجموع ؛ متعذِّرٌ إلاّ من
إحدى هذه الطّرق :
- أَنْ يَعْتَمِدَ المؤلّف عَلَى سَعَةِ اطِّلاَعِه ، وَتَنْقِيبِهِ
بِذِرَاعِه .
- أَنْ يَلْجَأَ إلَى شُيُوخِهِ لِمَعْرِفَةِ ضُلُوعِه ، وَتَحْدِيدِ
مَوْضُوعِه .
- أَنْ يَلْجَأَ إلى الأَسَاتِذِة لِيَسْتَغْنِي عَنِ التّلاَمِذَة .
- أَنْ يُرْكِزَ جُلَّ اهْتِمَامِه عَلَى الْقَدِيمِ بِرُمَّتِه .
- أَنْ ينظر في فِهرس المخطوط والمطبوع ؛ من المكتبات ، والكلّيات ،
والجامعات.
ثانِياً : أَنْ يجمع الْمَصَادِرَ وَالْمَرَاجِعَ .
ثَالِثاً : عليه أَن يبدأ برسالة صغيرة ، يضمِّـنُها مسألة واحدة ، ولا
يحاول المزيد ؛ حتّى يتفرّس في التّعريـف ، ويتمرّس في التّأليـف .
المرحلة الثّالثة
1- يُكتبُ العُنوانُ على ورقة
مستقلّة .
2- يحبَّذ أن يكون العُنوان على القافية ؛ مثل : (كَفُّ الدّموع عن الموجوع
) .
3- تُكتبُ أَرقام الصّفحات أعلى الصّفحة ناحيةَ الشِّمال ؛ فهو أسرع في
النّظر .
4- تُكتبُ البسملة في وسط الصّفحة وأعلاها.
5- تُكتبُ تحتَ البسملة ؛ هكذا :
- مقدّمة المؤلّف - .
6- تكتب خطبة الحاجة ، ولا ضير في التّنوّع ؛ هكذا :
إنّ الحمد لله ؛ نحمده - إلى - : من يهده الله ؛ فلا مضلّ له - إلى - :
وَأشهد أن لا إله إلا الله - وحده لا شريك له - .
وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله .
أمّا بعد … إلى نهاية خطبة الحاجة .
7- ثمّ تُكتبُ الأسبابُ الّتي دفعت لكتابة مثلِ هذا الموضوع .
8- ثم تدخل في الموضوع فتقول - مثلاً - :
أخي القارئ ! إليك الرّسالة : …
أو تقول : وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .
ثمّ تبدأ الموضوع مباشرة - مثلاً - :
- البابُ الأَوّلُ -
وفيه مسائلُ :
المسألة الأولى : مفهوم الصّلاة
قال - تعالى - { كذا ، وكذا } .
قال العلماء في تفسير هذه الآية : «كذا وكذ » .
وجاء في الحديث عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - كذا وكذا .
المسألة الثانية : حكم تارك الصّلاة :
قال الجمهور : كذا ، وكذا … إلخ .
قال شيخ الإسلام : كذا ، وكذا … إلخ .
المسألة الثّالثة : التّارك لها كسلاً … إلخ .
8- لا تميّع الرّسالة العلمية بتطويل الكلام وتمطيطه .
9- ثمّ تكتب خاتمة للكتاب .
10- ثم عَمل فِهرس للآيات ، والأحاديث ، والمواضيع .
الهوامش والحواشي
بعضُ النّاس يخلِط بين ما يسمّى
بالحواشي وبين ما يسمّى بالهوامش ! ويظنّ أنّهما شيءٌ واحد .
وهذا خطأٌ ، والصّواب :
أنّ الهامش : ما كان على جانب الصفحة .
وَالحاشية : ما كانتْ أَسفلَ الصفحة وتحتَ الكلام ؛ يفصل بينَهما خـطٌّ
مُعـتَرض .
أمّا الهوامش ؛ فقد ظهر وَعْـرُها ، وانتهى دَوْرُها ، وانقرض عصرُها ؛ فلا
أَنصح أحداً - لا من أهل العلم ولا من طلاّبه ؛ بحكم خبرتي - أَن يلجأَ إلى
أُسلوب وضع الهامش على جانب الصّفحة ؛ لِـمَا فيه من صعوبة بالغة ؛ من حيثُ
تصغيرُ الكلام ، وتكبيرُه ، والإضافةُ عليه ، وحذفُ بعضه ، وبالتّالي
سيُـؤَثِّـر على الكتاب بشكل عامّ.
وَأمّا الحاشية ؛ فهذا أَمرٌ طيِّب
؛ بل لا بد منه في كلّ كتاب ، وإثبات الحواشي له فوائـدُ عديـدٌ ؛ منها :
أولاً :
يميّزُ المتـنَ من الحاشية .
ثانياً :
يميّز كلام المؤلِّف - أَو المصنِّـف - : من كلام المحقِّـق ، أَو
المدقِّـق ، أَو الشّارح ، أَو الضّابط ، أَو المهذِّب ، أَو المخرِّج ،
أَو المعلِّق ، أَو المراجع ... إلخ .
ثالثاً :
الحاشية أَفضل موقع لعَزو المصادر ، والمراجِع ؛ المتعلِّقة بالآيات ،
والأحاديث ، والكتب ، وأَقوال العلماء ؛ خاصّة فيمن عملُه قائمٌ على
التّخريج ؛ فهو المسرح - الّذي من خلاله - يظهر فيه المخرِّج مهارته
وبراعته .
رابعاً :
وجود الحاشية للكتاب تجعل المتن مستقلاًّ ؛ لِـمَا له من أهمّيّة ؛ لأنّ
المتن هو أهم ما يبحث عنه القارئ .
خامساً :
من خلال الحاشية يستطيع المؤَلِّف أثناء كتابة المتن أن يشرح شيئاً - ما -
ليس له علاقة بالموضوع ؛ لكنّ المؤلّف يرى أنّ القارئ لا بدّ له من
الاطّلاع عليها ؛ فيضعها في الحاشية ؛ حتّى لا تُعكِّر صفْو الموضوع .
سادساً :
يستطيع المؤلّف أنْ يضيف أَيّ شيء حتّى لو كان الكتاب في مرحلة ما قبل
الأخيرة الّتي يذهب بعدها إلى دار النّشر للطّباعة .
سابعاً - وباختصار - :
تُعـدُّ الحاشية مسرحاً كبيراً واسعاً من حقّ المؤلّف أن يصنع فيه ما يراه
مناسباً ، دون غضاضة أَو فضاضة .
كلمة أخيرة :
لكن ليس من اللاّئق أن تصبح الحاشية أكبر حجماً من المتن ؛ وذلك لعدَّة
أسباب ؛ منها :
1- : أنّ الأَصل والأهمَّ في الكتاب هو المتنُ وليس الحاشيةَ .
2- : تضخيم الحاشية من شأْنِه أن يصيب القارئ بالملل والكلل ! ولأنّ خطّ
الحاشية
- عادة - يكون أصغـرَ من خطّ المتن .
المؤَلَّـف ينقسم حجمه إلى أقسام ثلاثة :
الحجم الكبير : وهو الّذي ينبغي أن يكون مجلّداً ، أَو سِـفْراً ؛ فيسمّى :
مجلّداً
والحجم الوسط : وهو الّذي يكون غلافاً ، ويسمّى : كتاباً .
والحجم الصّغير : وهو الّذي لا يزيد حجم ورقته عن (15سم) ، ويسمّى :
رسالةً.
وليعلم الأخُ أنّ هذه المصطلحات ما أنزل الله بها من آيات ؛ لكنّها من
الأمور الدّارجات في عالم دور النّشر للمطبوعات .
عمل الفهارس للكتاب :
أنا أقول : كلُّ كتاب - حتى لو كان
كُـتَـيِّـبَاً - لا يوجَدُ فيه فِهرسٌ ؛ فهو كتاب ناقصٌ ،ولا يخْـدُم
القارئ بالشّكل المطلوب .
فالقارئ - حسْب الأصول - ينظرُ أوّلَ ما ينظر إلى المقـدِّمة ، وإلى
الفِـهرسِ ، وَأَنا شخصيّاً أفعل هذا ؛ لأَنّني أتعرّف على الكتَاب من
خلالِـهِمَا .
أمّا طريقة عمل الفهارس ؛ فهي كالتّالي :
- إحضار (بطاقات) بيضاءَ .
- تكتب الأحرف الأبجديّة على البطاقات بخطّ كبير ؛ هكذا :
البطاقة الأولى حرف الهمزة (أ) ثمّ تضع تحته كلّ طرف حديثِيّ يبدأ بالهمزة
البطاقة الثّانية : حرف الباء (ب) ، ثمّ تضع تحته كلّ طرف حديثي يبدأ
بالباء .
البطاقة الثّالثة : حرف التّاء (ت) ، ثمّ تضع تحته كلَّ طرف حديثي يبدأ
بالتّاء .
وهكذا إلى آخر حرف من الحروف الأبجدية .
وفِـهرس التّراجم ، والرّواة على أُصول البطاقات .
وَأمّا فِهرسُ الموضوعات ؛ فليس على حسب البطاقات ؛ لأنّها شبه مستحيلة !
لكن عملها يكون حسب محتويات الكتاب :
فالكتاب إن كان حديثيّاً فيمكن أن تستخدم فيه أسلوب أهل الحديث .
وَأمّا إن كان الكتاب فقهيّاً ؛ فتستخدم فيه أُسلوب أهل الفقه .
وأخيراً إن كان الكتَاب عقائديّاً ؛ فتنظر إلى أسلوب كتب العقائد .
وهذا أمر يسير ؛ لا حاجة بنا إلى ضرب الأمثلة ، فيمكنك أن تنظر في أيّ مرجع
من المراجع الحديثيّة ، أو الفقهيّة ، أو العقديّة ؛ ثمّ تعمل الكتاب على
نسقه .
(علامات التّرقيم)
أخي الطّالبُ !
علامات التّرقيم - من وجهة نظري - هي من أهم المراحل الّتي يمرّ بها الكتاب
؛ خاصّة بعد جمع مادّته ؛ ومرجِعه ومصدرِه .
ومن منطلق الخبرة في هذا الفنّ أقول : إنّ الكتَاب الّذي يكون خِـلْواً من
هذه (العلامات) - عند المقارنة والمقابلة - ؛ لا يمكِن أن يكون صالحاً
- تماماً - للقراءة والقرّاء ، أو الفهم والاطّلاع!
وقبل التّعرّف إلى (علاَمات
التّرقيم) ومواضعِها ؛ يجب أنْ نقرّر ما يلي :
أوّلاً :
تعدّ (علاماتُ التّرقيم) فنّاً قائماً بذاته ؛ أو : هي علم قائم بذاته ؛
وإن كان علماً مُستحدثاً من غير المسلمين - فسبحان ربّ العالمين - !!
ثانياً :
إنّ (علاماتِ التّرقيم) رموزٌ اجتهاديّة ؛ ليس لها قواعدُ تضبِطها ، أو
منهجيّة تحكمها .
ثالثاً :
لهَا أهمّـيّة كبرى في عالم التّأليف ، خاصّة في عالَم التّحقيق والتّعليق
.
رابعاً - وأخيراً - :
من أهمّ الأغراض الّتي وضعت لأجلها (علامات التّرقيم ) : أنّها تُعين
القارئَ على فَهم المعنى المراد من النّصّ ؛ وزد على ذلك : أنّها
تزيـينـيّة .
أخي الطّالبُ !
إليك الآنَ علاماتِ التّرقيم :
(الْـفَاصِلَة ، الفَـصْـلَة ،
الشَّـوْلَـةُ)
(،)
تُكتب في المواضع التّالية :
أوّلاً :
بين الجمل المتلاحقة والمتعاطفة المختصَرة ؛ مثل :
«الحمد لله ، والصلاة والسّلامُ على رسول الله ، وعلى وآله ، وصحبه ، ومنِ
اهتدَى بهديه ، واقتفى بخَطْوه ونهجِه» .
ثانياً :
تكتب عند تَعداد أقسام الشّيء ؛ مثل :
الصّفات تنقسم إلى : قولـّيةٍ ، وفعليّة ، وذاتـيّة .
(الفاصِلَة المنقوطة ، والفَصلَة
المنْـقوطة ، والشَّـولَةُ المنقوطة )
(؛)
وتكتب في المواضع التّالية :
أولاً :
بين الجملة الطّويلة ، حتّى لو كان المعنى متّصلاً ؛مثل :
إنّ النّاس لا ينظرون إلى الزّمنِ الّذي عُمل فيه العملُ ؛ وإنّما ينظرون
إلى مقدار جودته وإتقانه .
ثانياً :
نكتبها قبل فاء السّـبَـبِـيّة - أو التّعليلية - ؛ أي : حين يكون ما قبلها
سبباً فيما بعدها ؛ مثل :
(درَس محمّد ؛ فنجح) ؛ فالنّجاح نتيجةُ الدّراسة !
ثالثاً :
وقد تُكتب - غالباً - قبل كلّ (فاء) زائدةٍ على الكلمة ؛ مثلُ :
(ابن تيميّة متعدّد الفنون والعلوم ؛ فلا غرابة أن يكون شيخَ الإسلام !!) .
( النّقطة ، النّقطة المربّعة ،
الـوِقْـفة )
(.)
تكتب في المواضع التّالية :
أولاً :
بعد نهاية كلّ سطر .
ثانياً :
بعد نهاية جملّة تامّة لا تتعلّق فيما بعدها .
ثالثاً :
تكتب - أيضاً- لفَصل نقل النّصّ الحرفيّ عن غيره ؛ فإنّ وضع الفاصلة -
مثلاً - بين كلام المحقّق وكلام المؤلّف ؛ قد يحدِث إشكالاً وخلطاً ، أمّا
(النّقطة ) - على
الغالب - ؛ فلا .
النّقطتــان (:)
وتكتب في المواضع التالية -
مثلاً- :
أوّلاً :
بـيْن فعل القول ومقُـوله ؛ كمِـثل قولِـنَا :
قال أهل السّنّة : الإيمان : قول ، وعمل ، واعتقاد .
وقالوا - أيضاً - : وكذلك الكفر : قول ، وعمل ، واعتقاد .
وقال أهل السّنّة والجماعة : مَن قال : الإيمان يزيد وينْقُص ؛ فلا يجوز أن
يتّهم بالإرجاء.
ثانياً :
أذا أردْتَ أن تشرح جملة ، أو تفصّل مسألة ؛ مثل :
كلمة التّوحيد : لا إله إلاّ الله ؛ وهي تتألّف من جملتين :
الأولى : جملة نفي ، والثّانية : جملة إثبات ؛ وهذا يعني :
أنّ الجملة الأولى : هي إعلان البراء من كل طاغوت يُعبد .
وأنّ الجملة الثّانية : هي إعلان الولاء لله المعبود بحقّ.
علاَمـة الاستفهـام الصِّرف (؟)
(?)
تكتب في المواضع التالية :
أولاً :
بعد نهاية السّؤال الصّريح ؛ مثل :
أين الله ؟
أين اليهود والنصارى ؟
أين المنافقون ؟
ثانياً : ما يفهم منه أنّه سؤال بالصّورة أو القرينة :
سألتُه عن المنهج السّلفي ؟ وعن العلاقة بين المنهج النّظري والمنهج
التّطبيقي ؟
علامة الاستفهام الاستنكاري (؟!)
وتكتب في المواضع التالية :
توضع بعد استفهام بصورة الإنكار على شيء ؛ مثل :
أين عمر ؟!
أين صلاح الدّين ؟!
أين نخوة المعتصم ؟!
أين جيوش محمّد - عليه السّلام - ؟!
وهذا الصّورة دلالة على أنّك لا تسأل ؛ لكنّها خرجت مخرج التّقريع
والتّوبيخ !!
النِّقـاط المتـتابعة (. . .)
وهي توضع - عادة - للدّلالة على
أنّ هناك حذفاً ، أوِ اختصاراً ، أو...إلخ .
علامـة التّـعجّـب (!)
وقد تسمّى : علامةَ التّعجّب ،
والانفعال ، والاندهاش ، والاستغراب ، والمفاجأة ، والتأسّف ، والتّهكّم ،
والتأثّر ، والإغراء ، والتّحذير .
تكتب - غالباً - حين تنظر إلى واقع المسلمين !!!!
القوسان المزهَّران - أو
الهلالان - : { }
تكتب بينها الآياتُ القرآنيّة -
فقط - .
(قوسا التّنصيص ، أو : القوسان
المزدوِجان ، أو : التّضبيب)
« »
يكتب قوسا التّنصيص في المواضع
التالية :
أولاً :
توضع الأحاديث النّبويّة القوليّة بينَهما .
ثانياً :
من أجل نقل أيّ نصٍّ حرفيّ .
ثالثاً :
يوضع داخلَها أسماء الكتب .
القوسان المعتادان - لا العاديان
- ( )
بعض العلماء سمّاهما الهلالين .
وأنا أقول : هذا يحدث إشكالاً ؛ لأنّ الهلالين للآيات القرآنية {} ،وأمّا
القوسان ؛ فلغير الآيات ؛ مثل :
أولاً :
يوضع بينَهما كلام عامِّـيٌّ أثناءَ كلام فصيح .
ثانياً :
يوضع بينهما كلمة غريبة ، أو شاذّة .
ثالثاً :
يوضع بينَهما كلمة تفسّر ما قبلها .
القوسان المعكوفان - أو
المعـقوفان - [ ]
يكتبان - غالباً- في المواضع
التالية :
أولاً :
إدخال كلام على النّصّ ؛ مثل :
و «صلّى - عليه السّلام - مرّةً - على المنبر فـ [ قامَ عليه ، فكبّر ،
وكبّر النّاس وراءه ...]» .
ثانياً :
يوضعان عند تصحيح خطإ في النّصّ المنقول حرفيّاً .
الجمل المعترضة توضع بين هاتين
الشّرطتين : ( - - )
الشّرطة توضع بدل (قال ، وقلت ، والاسم ) - مثلاً - في الحوار ، أو
المناقشة ، أو المناظرة ؛ مثل :
بدأت ملامح الاستغراب على وجه الطّالب حين قرأ كتاباتي ؛ فسألته :
- هل : قرأتَ كتاباتي ؟
- نعم .
- فهل استفدت منها ؟
- نعم .
- هل دعوت لي ؟
- نعم .
- فعلام - إذن - الاستغراب ؟
- لأنّنا لم نرَ بعضنا ، وكلّ ما بيننا الحديث عبر الإنترنت ؛ فيكف رأيت
ملامح وجهي؟!!
- فضحك وضحكت !
أخي الطّالب :
أعود لأذكِّر بأنّ هذه العلامات ؛
هي اجتهاديّة ، وقد يزيد المرء عليها ، أو يغيّر فيها ، أو ينقص منها ، أو
يبدّل مواضع بعض الرّموز فيها .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
وكتب
أبو حامدٍ السّـفّارينيُّ
- غفر الله له -