|
قال علي بن غبيدة الريحاني : المودة تعاطف القلوب ، و ائتلاف الأرواح ، و حنين
النفوس إلى مثابة السرائر ، و الاسترواح بالمستكنات في الغرائز ، و وحشة
الأشخاص عند تباين اللقاء ، و ظاهر السرور بكثرة التزوار ، و على حسب مشاكلة
الجواهر يكون اتفاق الخصال .
ما أجمل أن تشيع هذه المودة بين الزوجين ، و أن يشعروا و كأنهما روحان في جسد
واحد ، و أن يكون كل منهما مدعاة سرور الآخر ، فيصطحبا بالمعروف ، بالقول الطيب
، و الفعل الحسن ، و الهيئة الحسنة ، فلا فظاظة ، و لا غلظة ، و لا قسوة ، و لا
عبوس في الوجه ، فإن هذا أهدأ للنفس ، و أهنأ للعيش ، و بهذا تكون السكينة و
التي هي من نعم الله العظمى على الزوجين .
و ما أروع أن يتعامل الزوجان بالفضل لا بالعدل ، أن يتسابق كل منهما في إكرام
الآخر و إعطائه ما له من حقوق بل و يزيد ، و يغفر كل منهما للآخر الزلل و
التقصير ، يبتغون بذلك الأجر و الثواب من الله عز و جل ، فهذا من السمو و الرقي
في الحياة الزوجية ، فكوني لزوجك أمة يكن لك عبدا ، و كن لها عبد تكن لك أمة ،
و صاحب الفضل هو الذي يبدأ .
يقول تعالى في سورة البقرة (187) :"هن لباس لكم و أنتم لباس لهن" ، فأنت لباس
لزوجك ، و هو لباس لك ، و اللباس يلبس ليستر به المرء نفسه ، و يكون عادة ملاصق
للجسد ، و المسلم يحب أن يكون هندامه حسن و جميل ، فالزوجة تسكن إلى زوجها ، و
تستره و لا تفضحه و لا تكشف السيئ من أخلاقه ، بل تنصحه و تعينه على الخير و
الطاعة و الدعوة إلى الله و بلوغ أرقى الدرجات العلمية ، و الزوج كذلك ، يسكن
إلى زوجته ، و لا يكشف سترا عن مساويها ، بل ينصحها و يعينها على الطاعة و
الخير و الدعوة إلى الله و الرقي العلمي ، فكل من الزوجين يسعى ليجعل الآخر
يبدو بأجمل صورة و أرقى مكانة ، فكل منهما عنوان للآخر .
فإذا تعامل الزوجان بالفضل ، و اتقى كل منهما الله في صاحبه ، فلن تتذمر النساء
من قوامة الرجال عليهن ، فهذا حق فرضه الله لهم عليهن ، و لن يتسلط الرجال على
النساء بموجب هذا الحق رغبة في إذلالهن أو الإضرار بهن أو قهرهن ، فهذا ليس من
كرم الرجال ، و لا من مروءة الأزواج ، فما أكرم النساء إلا كريم ، و لا أهانهن
إلا لئيم . قال ابن عباس – رضي الله عنهما – في قوله تعالى :"و للرجال عليهن
درجة" : الدرجة إشارة إلى حض الرجال على حسن العشرة و التوسع للنساء بالمال و
الخلق .
و حتى إذا صدر من الزوجة بعض التقصسر في حق زوجها ، فلا يحماه هذا على التقصير
بواجب المعاشرة لها بالمعروف ، من تضييق في نفقة ، أو إيذاء بقول أو فعل ، بل
يرفق بها ، و يحسن إليها ، فهي كالأسيرة بين يديه ، و قد قال عليه الصلاة و
السلام :"استوصوا بالنساء خيرا" ، و قال أيضا :"خيركم خبركم لأهله ، و أنا
خيركم لأهلي" . فاقرؤوا في كتب السيرة العطرة لتعرفوا مدى الرقي الخلقي الذي
كان عليه – عليه الصلاة و السلام – في تعامله مع زوجاته أمهات المؤمنين رضي
الله عنهن .
و عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه ، قال : قلت يا رسول الله ، ما حق زوجة
أحدنا علينا ؟ قال :"أن تطعمها إذا طعمت ، و تكسوها إذا اكتسين ، و لا تضرب
الوجه ، و لا تقبح ، و لا تهجر إلا في البيت " . فالضرر المادي محظور ، و كذلك
المعنوي ، كالسخرية منها ، أو عدم الاهتمام بها ، أو رفع الصوت عليها ... و نحو
ذلك ، لما فيه من أذى نفسي . فاتقوا الله في النساء و استوصوا بهن خيرا ، و أعن
أيها الزوج زوجتك على طاعتك ، فأنت جنتها أو نارها ، فهل ترضى أن يدخل مسلم
النار بسببك ، عدا أن يكون هذا المسلم هو زوجتك ؟! فلأن يهدي الله بك رجلا خير
لك من حمر النعم ، أليس كذلك ؟!! . يقول الإمام الشافعي :
من نال مني أو علقت بذمته *** أبرأته لله راجي منته
كي لا أعوق مؤمنا يوم الجزا *** أو لا أسوء محمدا في أمته .
فكن خير معين لزوجتك ، و كوني خير معين لزوجك ، و ليكرم كل منكما
الآخر في حياته ، بل و بعد مماته ، فقد أكرم النبي الكريم – صلى الله عليه و
سلم – عجوزا ، و قال :"إنها كانت تغشانا في أيام خديجة ، و إن حسن العهد من
الإيمان " .