اسقني من ماءِ نَهرِ الكوثر *** ِشَربَةً تغسل عني كدري 
      وانطلق بي في ميادين الهدى *** بحصانِ المكرُمَاتِ العبقري 
      لا تدعني واقفاً وحدي على *** مركب الحُزنِ الذي لم يَعبُرِ 
      لا تدعني خائفاً من حُلُمي *** ساهراً، همِّي يُغذِّي سهري 
      أرقبُ النجمَ الذي أَثكله *** في دُجَى الظلماءِ، فَقدُ القمر 
      اسقني ياحارسَ النَّبع ولا *** تَبقَ مثلَ الآدِبِ المُنتَقِرِ 
      فأنا أحمل قلباً خافقاً *** بوفاءٍ نادرٍ في البشَرِ 
      هذه كفّي التي صافحَها *** موسمُ الخصب بكفِّ المَطَرِ 
      مدَّها نحوَك حُبٌّ صادقٌ *** فَلتُصافحها بروح الزَّهَرِ 
      أَسأَلُ الأَمجادَ عن تاريخنا *** فتُريني منه أَبهَى الصُّوَر 
      وتُريني لوحةً مشرقةً *** نُقِشَت فيها أَجَلُّ العِبَرِ 
      وتُريني صورةَ المجد التي ***  برزت في البيتِ عند الحجرِ 
      وتُريني المسجدَ الأقصى الذي *** ظلَّ يروي خبراً عن خَبَرِ 
      صامداً في رحلة الحق التي *** حفظت هذا البناءَ الأَثَريِ 
      ثابتاً كالجبل الضَّخم الذي *** واجهَ الأزَمانَ لم يندحرِ 
      عالياً كالكوكب الدُّريِّ في *** سُبُحاتِ الأُفُقِ المزدهرِ 
      كابتهاج الشمس في رَأدِ الضُّحَى *** في نهار الأَمَلِ المنتظَرِ 
      أيُّها المسجدُ، ما زلنا نرى *** شاهدَ التاريخ فوقَ المنبرِ 
      أنتَ أقصى أيُّها المسجدُ في *** داخلِ القلبِ عميقُ الأَثَرِ 
      لم تزل تُلقي علينا خُطبةً *** لَفظُها الصادقُ لم ينحدرِ: 
      أيُّها الناسُ اسمعوني إنني *** سوف استنهضكم بالنُّذُرِ 
      أبحرت بي سُفُنُ الأيام في *** لُجَّةٍ ممزوجةٍ بالَخطَر 
      كان للأمواج فيها قصصٌ *** أسهبت فيها ولم تختصرِ 
      كم رأت عينايَ من جيلٍ مضى *** وطوى أيَّامَه في سَفَرِ 
      هكذا الدنيا، كما جرَّبتُها *** طولُ ما فيها شديدُ القِصَرِ 
      أيُّها الناسُ اسمعوا، إني *** أرى نارَ حربٍ قذفت بالشَّرَرِ 
      وأرى قَلبَ اليهوديِّ الذي *** لم يزل يعكس معنى سَقَرِ 
      وأرى خُطَّةَ حَربِ، ربما *** سبقت كلَّ لبيبٍ حَذِرِ 
      وأرى دائرةً مُحكَمَةً *** لم تزل واقفةً لم تَدُرِ 
      ربما دارت بنا نَحوَ الرَّدَى *** لو رضينا بحياةِ الخَدَرِ 
      أيُّها الناسُ أفيقوا، واذكروا *** صورةَ ابنِ العَلقميِّ الأَشِرِ 
      واذكروا بغدادَ كيف احترقت *** حين كانت هَجَماتُ التَّتَرِ 
      واذكروا دَورَةَ أيامِ الأسى *** كيف ساقَتنا إلى المنحدَرِ 
      واسألوا الأندلُسَ المفقودَ عن *** طائر العزم الذي لم يَطِرِ 
      أيُّها الناسُ، أنا مسجدكم *** مسجدُ المَسرَى لخير البَشَرِ 
      مرَّتِ الأحداثُ بي داميةً *** فأنا في وَردِها والصَّدَرِ 
      فلكم ذقتُ الأسى بعد الأسى *** من خياناتِ الصَّليبِ القَذِرِ 
      يالَها من ظُلمةٍ حالكةٍ *** سوَّدَت وجه المدى في نظري 
      ضاقَ بي الأَرحَبُ حتى خِلتُني *** لن أذوق الصَّفوَ بعد الكَدَرِ 
      وطواني البُؤسُ حتى هزَّني *** ذلك الشَّهمُ الأَبيُّ العبقري 
      أرسل النورَ إلى أروقتي *** وبغيث الحقِّ روَّى شجري 
      ما صلاحُ الدين إلا فارسٌ *** شدَّ من أزري وجلَّى بصري 
      قادني والليل مسكوبٌ على *** ساحتي والموجُ لم ينحسر 
      غسل الشاطىءَ من أدرانه *** ورمى نحوي بأغلى الدُّرَرِ 
      وأراني بسمةً مشرقةً *** وصفاءً في جبين القمرِ 
      ليت أيَّامي هنا قد وقفت *** عند رُمحِ الفارسِ المنتصرِ 
      ليتَها،لكنَّها أُمنيَّةٌ *** قتلتها غَدرَةٌ من غُدَرِ 
      وَعدُ بِلفُورَ الذي صيَّرني *** كسبايا الفُرسِ عند الخَزَرِ 
      أيُّها الناسُ أَفيقوا، وارحموا *** أمَلاً في قلبيَ المُنصَهِرِ 
      ما يَهودُ الغَدر إلا أَنفسٌ *** غُمِسَت في حقدها المُستَعِرِ 
      لم أزل أشربُ كأساً مُرَّةً *** من رزاياهم وأشكو ضَجَري 
      سلبوني نعمةَ الأمن التي *** حفظت قدري وصانت جوهري 
      زرعوا هَيكَلَهم قنبلةً *** فاحذروا من صوتها المُنفجرِ 
      ما يَهودُ الغدر إلَّا عُملَةٌ *** نُقِشَت فيها حروفُ البَطَرِ 
      عُملَةٌ زائفةٌ، قيمتُها *** في تضاعيف الرِّبا والمَيسِرِ 
      إن مضى قِردٌ، فقردٌ قادمٌ *** وخَبَال الرَّأي للمنتظر 
      ما لكم يا قوم، هل ترجون من *** قاتلِ الأطفالِ حُسنَ المَعشَرِ؟! 
      آهِ من أمَّتنا ما لبثَت *** تخسر المجدَ، كأن لم تَخسَرِ 
      كسَدَت سوق الدَّعاوى حَولَها *** وهي في سوق الدَّعاوى تشتري 
      أزهرت كلُّ الرُّبَى من حولها *** وهي في جَدب الأسى لم تُزهِرِ 
      لم تزل تستنجدُ الغَربَ، وهل *** عندَه إلاَّ جنونُ البَقَرِ 
      كيف ترجو من سرابٍ كاذبٍ *** شَربَةً للظامىء، المُحتضِرِ؟؟! 
      مسجدُ الاقصى أنا، أُخبركم *** أنني لا أَنثني للخطر 
      منهج الإسلام عندي واضحٌ *** فبه أسمو عن المنحَدَرِ 
      وبه أسلك دَربَ المجد، لا *** اشتكي من شوكه والحُفَرِ 
      صاحبي منكم، هو الشَّهمُ الذي *** يجعل الغُصنَ قريبَ الثَّمَرِ 
      صاحبي منكم هو الحادي الذي *** يُسمع القُدسَ نشيد الظَّفَرِ 
      صاحبي، مَن لايُريني غَفلَةً *** ويُريني جَبهةَ المنكسرِ 
      صاحبي مَن يحمل القرآن في *** قلبه يكسر بابَ الضَّجَرِ 
      صاحبي طفلٌ أَبيٌّ لم يَزَل *** يُسمع الدنيا غناءَ الحَجَرِ