|
قال تعالى " وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق
" .
من هنا كان الأذان الرباني الذي أمر الله به خليله إبراهيم - عليه السلام - أن
يرفعه من على صخرة في رحاب الحرم ، ليتردد صداه في الأرجاء ، وليبقى على مرّ
العصور والأيام ، لتتشربه القلوب ، ويتغلغل في النفوس ، فما زالت تسمعه الآذان
وتستجيب له الأفئدة قبل الأجسام ، فما أن يطل هلال الأشهر الحرم حتى يبدأ
الحجيج في التأهب لتلبية هذا النداء الرباني الصادح بالحق ، المنادي بالحنيفية
الخالصة لله تعالى ، فيتجرد الحاج من كل حب لغير الله تعالى ، فلا حب الأوطان
يصده ، ولا فراق الأهل والولد والأحباب يثبط من عزيمته ، لأن محبة الله في قلبه
أكبر من كل حب من سواه ..
نعم . الحج فروض وواجبات تؤدى بمهبط الوحي ، تطواف حول مشاعر مقدسة وهرولة في
وادٍ صغير بين جبلين ، ووقوف بمكان من أول النهار إلى مغيب الشمس ورمي بالحصى
..
إلا أنها أوامر من الله تعالى ، بها يكسب العبد الحسنات ، وترفع بها الدرجات
وينال من الله كريم المثوبات ، ويحصل بها الصفح عن الزلات ، فتتجلى في هذه
الأعمال قمة الطاعة الخالصة لله تعالى.
وفي جميع تلك الأعمال يكون التوجه لإله واحد ، والاقتداء بالنبي محمد صلى الله
عليه وسلم . قلوب معلقة بالله ترجو رحمته وتخاف عذابه ، ألسنة لاهجة بذكره
سبحانه لا تفتر ولا تسأم من ترداده ، أجساد أضناها التعب والسفر ، إلا أنها لا
تشعر به لأنها متوجهة لله سبحانه ، ترفعت النفوس عن كل متاع الدنيا الزائل ،
لأنها تعلقت بالله فالترابط غايتهم ، والأخلاق الرفيعة ديدنهم ، لأنهم في أكبر
مجمع أخوي ، وأعظم مؤتمر إسلامي ، وقبل كل هذا في أطهر بقعة وأمنع مكان ، فلا
يسهو العقل عن مراقبة الله عز وجل ، فلا يجرؤ المسلم على ارتكاب حرماته ،
فتطأطأ البصر حياءً وعف اللسان وراح يسبح لله ثناء ، وانقبضت اليدان عن الإيذاء
، وانبسطت جوداً وإحساناً ..
ففي هذه المناسك يتساوى الفقير والغني ، والأبيض والأسود ، والعربي والأعجمي لا
تفاضل بينهم ، ولا تناقض في أعمالهم ، فالأعمال واحدة ، والمقصد والهدف نفسه
والسبيل والنهج ذاته ..
فيا من يرفعون رايات المساواة ، ويهتفون وينادون بحقوق الإنسان ، ويتشدقون
بشعارات جوفاء ، انظروا إلى روعة الإخاء ، وروح المحبة ، وصدق التعاون في تلك
الأيام ، ليتجلى التفاضل بين الإسلام وبين النعرات الجاهلية والدعوات الإنسانية
الزائفة ...
المجلة العربية