من ( مصطفى لطفي
المنفلوطي ) إلى أبطال الإسلام في ( العراق )
المارقال
من ( مصطفى لطفي المنفلوطي ) إلى أبطال الإسلام في ( العراق ) .
أبطال ( العراق ) ..
و ليوث ( الرافدين ) ..
وحماة الثغور وذادة المعاقل والحصون ..
صبرا قليلا في مجال الموت ، فهاهي نجمة النصر تلمع في أفاق السماء ، فاستنيروا
بنورها ، واهتدوا بهديها حتى يفتح الله عليكم .
إن الله وعدكم النصر ، ووعدتموه الصبر ، فأنجزوا وعدكم ينجز لكم وعده .
لا تحدثوا أنفسكم بالفرار ، فوالله إن فررتم لا تفرون إلا عن عرض لا يجد له
حاميا ، وشرف لا يجد له ذائدا ، ودين يشكوا إلى الله قوما أضاعوه ، وأنصارا
خذلوه .
إنكم لا تحاربون رجالا أشداء ، بل أشباحا تتراءى في ظلال الأساطيل ، وخيالات
تلوذ بأكناف الأسوار والجدران ، فاحملوا عليها حملة صادقة تطير بما بقي من
ألبابها ، فلا يجدون لبنادقهم كفا ، ولا لأسيافهم ساعدا.
إنهم يطلبون الحياة ، وانتم تطلبون الموت ، ويطلبون القوت ، وتطلبون الشرف ،
ويطلبون غنيمة يملأون بها فراغ بطونهم ، وتطلبون جنة عرضها السموات والأرض ،
فلا تجزعوا من لقائهم ، فالموت لا يكون مر المذاق في أفواه المؤمنين .
إنكم تعتمدون على الله ، وتثقون بعدله ورحمته ، فتقدموا إلى الموت غير شاكين
ولا مرتابين ، فما كان الله ليخذلكم ، ويكلكم إلى أنفسكم ، وانتم من القوم
الصادقين .
إن هذه القطرات من الدماء التي تسيل من أجسامكم ستستحيل غدا إلى شهب نارية
حمراء تهوي فوق رؤوس أعدائكم فتحرقهم ، وان هذه الأنات المتصاعدة من صدوركم
ليست إلا أنفاس الدماء صاعدة إلى اله السماء أن يأخذ لكم بحقكم ويعديكم على
عدوكم ، والله سميع الدعاء .
إن أعداءكم قتلوا أطفالكم ، وبقروا بطون نسائكم ، واخذوا بلحى شيوخكم الأجلاء
فساقوهم إلى حفائر الموت سوقا ، فما ذا تنتظرون بأنفسكم ؟.
اجلبوا عليهم بخيلكم ورجلكم، واصدقوا حملتكم عليهم ، وجعجعوا بهم ، واقتلوهم
حيث ثقفتموهم ، واطلبوهم بكل سبيل ، وفوق كل ارض ، وتحت كل سماء ، وأزعجوهم حتى
عن طعامهم وشرابهم ، ويقظتهم ومنامهم ، فما أعذب الموت في سبيل تنغيص الظالمين
!
احفروا لأنفسكم بسيوفكم قبورا ، فالقبر الذي يحفر بالسيف لا يكون حفرة من حفر
النار .
لا تطلبوا المنزلة بين المنزلتين ، ولا الواسطة بين الطرفين ، ولا العيش الذي
هو الموت أشبه منه بالحياة ، بل اطلبوا إما الحياة أبدا ، وإما الموت أبدا .
غدا ينتهك أعداؤكم حرمة أرضكم ودياركم ، ويملكون عليكم نسائكم وأولادكم ،
ويطأون يحوافر خيولهم مساجدكم ومعابدكم ، وينظمون في ثقوب أنافكم مقاود
يقودونكم بها إلى مواقف الذل والهوان كما تقاد الإبل المخشومة إلى معاطنها ،
فافتدوا أنفسكم من هذا المصير المهين بجولة تجولونها في سبيل الله ثم تموتون
موت الجبان في حياته ، وحياة الشجاع في موته ، فموتوا لتعيشوا ، فوالله ما عاش
ذليل ولا مات كريم .
إن هذه الاساطيل الرابضة على شواطئكم ، والمدافع الفاغرة أفواهها إليكم ،
والبنادق المسددة إلى صدوركم ونحوركم ، لا يمكن أن يتألف منها سور منيع يعترض
سبيلكم في رحلتكم من هذه الدار إلى تلك الدار ، فسيروا في طريقكم إلى آخرتكم ،
فان الأعداء إن ملكوا عليكم طريق الحياة لا يملكون عليكم طريق الموت. المستميت
لا يموت ، والمستقتل لا يقتل ، ومن يهلك في الإدبار أكثر ممن يهلك في الإقدام ،
فان كنتم لا بد تطلبون الحياة فانتزعوها من بين ماضغي الموت .
إن كتاب التاريخ قد علقوا أقلامهم بين أناملهم ، ووضعوا صحائفهم بين أيديهم ،
وانتظروا ما تملون عليهم من حسنات أو سيئات ، فاملوا عليهم من أعمالكم ما يترك
في نفوسهم مثل ذلك الأثر الذي تركته في نفوسكم تلك الصحائف البيضاء التي سجلها
التاريخ لأولئك الأبطال العظام .
موتوا اليوم أعزاء قبل أن تموتوا غدا أذلاء ..!
موتوا قبل أن تطلبوا الموت فيعوزكم ، وتنشدوه فيعجزكم..!
موتوا اليوم شهداء في ساحة الحرب ، تكفنكم ثيابكم ، وتغسلكم دماؤكم ، وتصلي
عليكم ملائكة الرحمن قبل أن يسبق قضاء الله إليكم فيموت أحدكم فلا يجد بجانبه
مسلما يصلي عليه صلاة الجنازة ثم يمشي وراء نعشه إلى قبره حتى يودعه حفرته ،
ويخلي بينه وبين ربه .
إن الشيخين ابا بكر وعمر ، والفارسين خالدا وعليا ، والأسدين حمزة والزبير ،
والفاتحين سعدا وأبا عبيدة ، والبطلين طارق بن زياد وعقبة بن نافع وجميع حماة
الإسلام وذادته من السابقين الأولين والمهاجرين الصابرين ، يشرفون عليكم اليوم
من علياء السماء ، لينظروا ما ذا تصنعون بميراثهم الذي تركوه في أيديكم ،
فامضوا لسبيلكم ، واهتكوا بأسيافكم حجاب الموت القائم بينكم وبينهم ، وقولوا
لهم إنا بكم لاحقون ، وإنا على آثاركم لمهتدون .
إن هذا اليوم له ما بعده ، فلا تسلموا أعناقكم إلى أعدائكم ، فإنكم إن فعلتم
فلن يعبد الله بعد اليوم على ظهر الأرض أبدا.