|
ليست المقاومة العراقية ولا الأفغانية ولا الشيشانية هي الأولى التي يقوم بها
شعب ضد من يتعدى على أرضه وعرضه ويدنس مقدساته ؛ بل هي أمر فطري فطر الله عليه
الناس من يوم كانوا ، وما استكان شعب إلا حين يؤمن بمعتقدات الغير كما حدث مع
الفتوحات الإسلامية . فالمقاومة إذا أمر فطري ، بَيّدَ أنها تُوجه ... يَدٌ
تزرعها وأخرى تحصدها .
وفي مقالي هذا ـ بحول الله وقوته ـ أحاول من خلال تتبع بعض حركات المقاومة في
التاريخ وكيف كان مصيرها استخلاص بعض الدروس التي ربما يستفيد منها أهل الجهاد
في العراق . وأبدأ ـ مستعينا بالله ـ بهذا النموذج .
نهضة محمد علي باشا في مصر .
قبل مجيء الحملة الفرنسية على مصر ( 1798م ـ 1801م ) لم تكن الأمة متخلفة
غافلة كما يُدندن بعض أدعياء الثقافة ، ولم تكن الأمة فقيرة إلى كل العوامل
التي تساعدها على النهوض الذاتي لذا كان لابد من الاتصال بالغير والأخذ عنه كما
يدعي جهلة المثقفين . أبدا لم يكن الأمر كذلك . فقد كانت هناك العديد من دعوات
اليقظة التي كانت في الأمة قبل مجيء الحملات ( الاستعمارية ) الأوروبية عليها ،
منها ـ على سبيل المثال ـ الدعوة السلفية على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في
نجد ، والجهود التي قام بها عبد القادر عمر البغدادي صاحب خزانة الأدب في
العراق ، ومحمد عبد الرزاق الحسيني المشهور بـ ( المرتضى الزبيدي ) صاحب تاج
العروس ، وكذا الإمام الشوكاني في اليمن ، وحسن إبراهيم الجبرتي ( الجبرتي
الكبير ) في مصر والذي كانت له جهود ومخترعات في مجال الفلك والرياضيات وهو جد
الجبرتي صاحب التاريخ[1] ؛ وما يعنيني هو أنه كانت هناك
بوادر صحوة فكرية تسير في الاتجاه الصحيح قبل مجيء الحملة الفرنسية على مصر ،
وكذا نمت صحوة في مجال آخر حين قدمت الحملة الفرنسية ، إذ أنه بعد أن هَزم
الفرنسيون النظام المملوكي الحاكم في مصر ، قامت مقاومة شعبية تحت قيادة علماء
الدين وفي إطار الجهاد الشرعي ضد العدو الكافر ، فقد استطاع ( الشعب المصري
تحت قيادة علماء الدين أن يمارس جهادا مسلحا ناجحا ضد الحملة الفرنسية ( ا1798
ـ 1801 م ) وضد حملة فريزر الإنجليزية ( 1807م ) .... وفي مجال التصنيع كان
ثُوَّار القاهرة في الثورة الثانية على الحملة الفرنسية كانوا قد استطاعوا
تصنيع البارود والمدافع )[2] . فقد كان رفضا للمحتل كما هو
الحاصل اليوم في العراق ، وكانت صحوة يقودها علماء الدين .. تنطلق من الأزهر
وترفع شعار الجهاد ضد المحتل الكافر .
وماذا حدث لهذه الصحوة وتلك ؟
أحاطت بالفرنسيس المشاكل فجعلتهم يرحلون عن مصر . ولكنهم خلَّفوا ورائهم محمد
علي باشا ، وسواء أكانوا هم الذين جاؤوا به عن طريق التوسط عند الخليفة
العثماني كما تحكي بعض المصادر [3] أم أنهم فقط وقفوا
بجواره وشجعوه بمدِّهِ بالخبراء ( كسُليمان باشا الفرنساوي مثلا ) الذين أسسوا
له الأسطول وبنوا الجيش من جديد وأنشئوا له القناطر الخيرية لتنظيم الريّ في
الدلتا لتكتمل صورة ( النهضة ) في عين الفلاحين من أبناء الشعب ، فهذا لا
يعنيني هنا ، وإنما فقط يعنيني أن الصحوة التي كانت في الأمة يومها قَطف ثمارها
العدو بأيدي ( أبناء ) هذه الأمة وانقلب على الشجرة فقطع فروعها وأنهك جذرها
فلم يبقى منها إلا قليل توارى في الأرض ؛ وأصبحت طاقات الأمة المصرية الناهضة
حربا على الخلافة الإسلامية وعلى الدعوة السلفية في الجزيرة العربية ،
واستخدمت الموارد البشرية والمادية لتحيق حلم يرتبط بشخص محمد علي ويمهد لقدوم
العدو مرة ثانية ، وحين كاد عمرو أن يشب عن الطوق ... حين أراد محمد علي أن
يتطاول على أسياده الأوربيين ويهاجم إحدى الدول الصليبية ( اليونان ) تجمع له
الأوربيون في معركة ( نافرين ) وأرجعوه ، وفي مرحلة أخرى ـ في عهد الخديوي
إسماعيل ـ زجوا بجيش (الصحوة ) في غابات أفريقيا ـ الصومال وأثيوبيا ـ حتى
ذهبت قواه وعاد هيكلا لا يقوى إلا على قمع المعترضين من أبناء الشعب
[4].إلى هذا الحد انتهت الصحوة المصرية ضد العدو الصليبي
الفرنسي يومها ؟
ولكن ما هو السبب الحقيقي ؟
أجيب إن شاء الله بعد عرض هذا النموذج :
في العقدين الخامس والسادس من القرن الميلادي المنصرم كانت الأمة الإسلامية
تعيش حالة من الغليان على الغرب كلِه ، وقامت حركات مسلحة تقاتل عن أرضها
ودينها وحركات دعوية تريد إعادة الخلافة وتوحيد الكلمة وحركات سياسية مُغرضة
ومخلصة تسير في نفس الاتجاه ؛ وكانت الصبغة الغالبة هي الصبغة الدينية ،
والمطالب الأولى هي مطالب شرعية ، كان هذا في مصر ( حركة الإخوان المسلمون
وخروج الثورات من الأزهر ) وفي الجزيرة العربية قامت صحوة ـ إن صح التعبير ـ
من أجل لمّ الشمل تحت راية التوحيد ، وفي الجزائر ( الثورة الإسلامية ـ المليون
شهيد ) وفي ليبيا كان عمر المختار ورفاقه يرفعون راية الجهاد ، ولم تخلو الشام
ولا العراق ، والمهم أن الأمة كلها باختلاف شرائحها من عوام ومثقفين كانت ثائرة
تريد طرد المحتل وإقامة شرع الله في الجملة .
فماذا حدث ؟
العكس تماما ... ما حدث كان على العكس تماما مما كانت تطالب به الأمة .
أُنشِأت الجامعة العربية كبديل للجامعة الإسلامية التي ربما لو تكونت لأعادت
الخلافة الإسلامية أو حافظت على هوية الأمة على الأقل ، ثم بعد حين أصبحت
الجامعة العربية شكلية لم تقدم أي شيء سوى أنها استوعبت حماس الأمة وكانت حلا
مرحليا لمطالبة الشعوب بالوحدة ، وفي الأخير صارت إلى ما هي عليه اليوم .
انتهى أمر هذه الصحوة بالعلمانية ـ فصل الدين عن الحياة ـ ... بكلمات أُخر :
قَطَفَ ثمار هذه الصحوة العلمانيون ، وحدث ما لا يخفى من ابتلاء لقطاع عريض من
الصحوة الإسلامية . فثمار هذه الصحوة ـ في العقدين الرابع والخامس من القرن
العشرين ـ وضعت في سلّة العدو بيد ( أبناء ) الأمة ، فلم تعد الخلافة الإسلامية
، ولم تتحرر فلسطين بل لم تحافظ على هويتها الإسلامية ، ولم يُطبق شرع الله كما
كانت تنادي الصحوة في كثير من البلدان التي قامت فيها . وخرجت الصحوة من المحنة
فصائل بطيئة الحركة تتعثر في سيرها ... كلما نهضت من كبوة وقعت مرَّة أخرى ،
فمن التعصب للجماعات إلى التعصب للأفراد ... ولا أريد الاسترسال فقط أريد القول
: إننا بصدد تكرار ما حدث.
. وحتى يتضح مرادي أجيب على السؤال الذي طرحته من قبل :
كيف ضاعت الثمار بهذه السهولة ؟
أو قل : لماذا اتجه محمد على نحو فرنسا ؟ ولماذا أثني ( الشيوخ ) على ديار
الكفر أعني رفاعة الطهطاوي ومن معه ومن جاء بعده ممن ينتسبون إلى الإسلام ؟
ثم لماذا قبلت الجماهير ـ ولو بعد حين ـ ما طُرح عليها ؟
أهي العمالة ؟
وإن كانت فهي ـ أي العمالة ـ عَرَض وليست بالمرض .. ليست هي
الداء الحقيقي .
الداء الحقيقي هو الخلل العقدي .... نعم . خلل عقدي عند النخبة المثقفة جعلها
تنبهر بالغرب تريد محاكاته ، وخلل عقدي عند الشعوب جعلها تقبل ما يملي عليها .
ولا تهب- في الغالب - إلا دفاعا عن لقمة عيشها لا دينها .
وهذه معادلة أطرحها ليستبين بها قولي .
قبل قيام الثورة في مصر عام 1952م كان جل الشعب مع التيار الإسلامي .. (
الإخوان يومئذ ) ، وبعد قيام الثورة كان الشعب كله مع العبد الخاسر الذي ما عبد
الناصر ( عبد الناصر ) . ما الذي جعل الجماهير بالأمس هنا واليوم هناك ؟ .
لا شيء سوى الخلل العقدي .
لا شيء سوى جرثومة الإرجاء التي أصابت الدين في القلوب فخلفته شهادة باللسان
وصلاة في المساجد وصوم في رمضان وحجا إن قدروا على ذلك .
وهو بأم عينه ـ الخلل العقدي ـ الذي جعلهم يقبلون حكم ( الثوار ) ( الأحرار )
.. ( العرب الأمجاد ) وهم يحرمون ما أحل الله ويحلون ما حرم الله .. وهم
يعذبون أولياء الله .. وهم يسخرون من سنة الحبيب ـ بأبي هو وأمي وأهلي وابني
صلى الله عليه وسلم - بأوقع الألفاظ حتى قال سفيههم : لن نعود إلى عهد البغال
والحمير .
هو بعينه ـ الخلل العقدي ـ الذي غيّم على العيون فجعلها لا ترى إلا ما يكتب في
الهوية من ديانة .
وهو بعينه ـ الخلل العقدي ـ الذي جعل الحكام ـ إن كانوا صادقين في أنهم يريدون
الخير لشعوبهم ـ يسيرون وراء الكفر وأهله .
ببساطة :
الإرجاء العقدي عند الشعوب هو السبب في تقبل العلمانية ؟ .
حين عرفوا أن الدين صلاة وصيام وحج ونطق بالشهادة نظروا إلى مطالب الصحوة من
إقامة سلطان الله في الأرض على أنه أمر ذائد . وأن قضية الصحوة مع العلمانية
قضية من يحكم ـ كأفراد ـ ؟ وليس قضية إيمان وكفر ـ أكبر أو أصغر ـ .
هذا هو السبب ببساطة .
الحال هو الحال !
المقاومة العراقية تمثل حالة من الرفض لدى الشعوب ، وهي قابلة للتكرار إن توجه
الأمريكان إلى قطر آخر ـ والله أسال أن يقصم ظهورهم في العراق ولا يخرجون منها
بعافية ـ ولكنها إلى الآن لم تُوجهه . ويمكن أن تُسيس أو يغير مصيرها تماما
كما حدث مع المصرين بعد رحيل الفرنسيين وكما حدث مع صحوة الأمة قبل حقبة
الثورات في القرن الماضي كما قدمت ، ونستفيق وقد دخلنا في دوامة تذهب بجهد
السابقين ويجلد فيها ظهور الحاضرين . وتكون عبئا على القادمين .والعياذ بالله .
أيها السادة !
ما أراه هو أن : الزمان قد دار دورة وها نحن نشهد نهاية مرحلة وبداية مرحلة
أخرى ... فَشَلَتْ القومية العربية كطرح فكري وكتطبيق عملي ... وملّتها
الجماهير ، ولا بد من البديل ، وقد جاءت الموجة الجديدة من الحروب الصليبية ...
أو خَفِفْ اللفظ وقل : موجة جديدة من الحملات ( الاستعمارية ) ـ ولا فرق
بينهما عندي ـ لتدشين مرحلة جديدة يمكن تسميتها بمرحلة العملاء ... فبالأمس
قرضاي واليوم علاوي عميل المخابرات الأمريكية ومحمود عباس الذي رضي عنه كبير
المغضوب عليهم ( شارون ) وكبير الضالين ( بوش ) ... وكثير من الباقين لا
يحتاجون إلى تغيير ... وليس فقط في مجال الحكم بل في المجال الديني وفي مجال
التعليم .. فانظر إلى علماء الدين (الرسميين ) ـ أتكلم عن الغالبية في الدول
الديمقراطية ـ وانظر إلى القائمين على ( تطوير ) التعليم في العالم الإسلامي .
أليس الكل يشترك في رفض ( الإرهاب ) ؟ والرغبة الجادة في ( تحسين ) صورة
الإسلام عن طريق إعادة قراءته بصيغة يتفهمها أو يقبلها أبناء العم سام ومن
وراءهم ؟! .
فيمكن أن ترحل أمريكا وتخلف وراءها عملاها . وهذا غالب الظن . ستختفي من الصورة
ـ وإن بقيت على الأرض ـ ويتولى حلفاءها قتال المجاهدين وهنا ستختلط الرايات
ثانية ، والعامة تُؤتى من أذنها ، وهي ـ العامّة ـ مع من يأتيها برزقها ،
وأروني يوما صوَّتت فيه الجماهير لصاح الحرب .
والمقصود هو الخوف من أن تنطفئ جذوة الصحوة ويذهب ثمارها بعد الرحيل الصوري
للقوات الأمريكية المحتلة [5]وظهور حكومة ( وطنية خالصة )
ليس فيها أحد من بني الأصفر .وتصبح المقاومة بين مطرق جيش الحكومة العميل
وسندان الشعب ، وفي أرضٍ كالعراق ليس فيها جبال مَنِيعة كأفغانستان تصعب عملية
المقاومة جدا بل تكاد تكون مستحيلة .
فقبل أن يقطف العدو ثمار المقاومة الإسلامية في العراق بيد إخوانه من بني
جلدتنا . علينا أن نتحرك للحيلولة دون ذلك . وهذه بعض المقترحات تحت العناوين
التالية :
1ـ البلاء عام
الحملة الصليبية الجديدة تتميز بأنها متعددة الأهداف .. متشعبة متغلغلة في كل
مناحي الحياة الفكرية والثقافية والاقتصادية والعسكرية . وفي ظني أن العولمة ـ
بأبعادها الثلاث الثقافية الفكرية والعسكرية والاقتصادية ـ هي المسمى الحقيقي
للحملة الصليبية الجديدة .فحين يتجرد الكلام من الدبلوماسية ، وترفع عن
المتكلمين الأقنعة الزائفة تجد العولمة في بعدها الثقافي : دعوة كُفرية[6]
تهدف إلى هدم ثوابتنا الإسلامية وإعادة قراءة الشريعة من جديد بلسان (
المتنورين ) من ( أبناء ) الأمة الإسلامية لصياغة ما أسموه بالإسلام المدني
الديمقراطي .
وهي ـ العولمة ـ في بعدها الاقتصادي : هجمة شرسة يريد منها أصحاب رؤوس الأموال
أن يأخذوا من فم الطبقة الكادحة في الشرق الأوسط ـ الدول العربية المسلمة ـ
اللقمة التي يقتاتون بها ويصبح المالُ دُولَة بين الأغنياء منهم .
وهي ـ العولمة في بعدها العسكري ـ قوة واحدة في صورة تحالفات مشبوهة تريد
السيطرة على العالم الإسلامي خاصة وغيره عامة .
هذه هي العولمة بدون مواربة ولا دغدغة في الكلام ... فكما ترى الجانبُ العسكري
فرع منها . وهي تستهدف كل شيء على أرض المسلمين ... الناس والمال والقيم
الدينية والخلقية .... كل شيء .
والعجيب أن الأمة تقف مشدوه كالأبله الأبكم العيي الذي لا يقدر على شيء وكل
التصرفات خبط عشواء ... فردية ... خارج السيطرة أو في إطار الحزبية المبتدعة .
وكما أن الأمة كلها مستهدفه فلابد أن تكون الأمة منوطة بالمواجهة والتصدي لهذا
الغزو كل بما يستطيع . وإنني أرى المسئولية كلها تقع على ولاة الأمر ، وأزيد
البيان تحت هذا العنوان .
2ـ متى تتحركون ؟
لا يجادلني أحدٌ في أن ولاة الأمر الذين عني الله في قوله : [ وَإِذَا
جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ
إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ
يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ]( النساء : 83 ) وقوله تعالى :[ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي
الأَمْرِ مِنكُمْ ]( النساء : 59 ) . هم الأمراء والعلماء .وإن دققتَ وجدتَ
الأمر كله يرجع للعلماء فهم الذين يبُيَنِّونَ للأمراء ، وهم أهل الحلِّ والعقد
الذين تنعقد بهم بيعة الأمراء ، و من العلماء تُعطى لغيرهم شرعية الخروج عليهم
إن هم حادوا.
ومن عقود طويلة وأهل السلطان وأهل القرآن يتصارعان ( حتى حسم الطغاة في الأزمنة
الأخيرة المعركة لصالح سلطان بلا قرآن ، ونصبت العلمانية خيامها الثقيلة
الغليظة على جُل ربوع المسلمين ، تحادّ الدين في بلاده ، وتحارب التوحيد في
مواطنه ، وتنفرد بالقيادة والريادة دون أهل العلم والعدل والعبادة ، وأصبحت
ديكتاتورية لُكع ابن لُكع ، أو ديمقراطية الرويبضات التوافه ؛ هي صاحبة الحل
والعقد واليد الطولى في التخطيط المتخبط ، والتصدي المرتجل المرتجف في مواجهة
التحديات . . . إننا لو تأملنا عناصر القوة في هذه الأمة ؛ لوجدناها كلها
تُفَرَّغ من مضمونها بذلك الفراغ القاتل في القيادة العلمية الموحِّدة لكلمتها
، والموجِّهة لسياستها ، والمنظِّمة لعلاقتها ، والدافِعة لقوتها في الدفاع أو
الهجوم ؛ بحسب الضوابط المستمدة من شريعة الله .
إن غياب القيادة القائمة بهذه الشريعة على مستوى الأمة قد أبطل أثر هذه
الشريعة في الارتفاع بأمتنا إلى العزة والتمكين ، فصارت الشريعة لا تحكم إلا
بعض مظاهر الحياة الفردية للناس ؛ تماماً كما أرادت العلمانية بزعاماتها
المزعومة ) [7]
ولعمر الله : لا بد لها ممن يجاهدون بسلاحهم تحت إمرة من يجاهدون بأقلامهم .
واليوم الأمر معكوس قام المسلحون وقعد العلماء الربانيون عن توحيد الكلمة ـ
فيما بينهم ـ والقيام بدور القيادة للأمة ... دور الأنبياء . فمتى يتحركون
لسقيا هذه الشجرة التي نبتت في العراق وأفغانستان والشيشان وفلسطين والاعتناء
بها حتى يطيب ثمرها وحمايتها كي لا يقطف العدو ثمارها ؟ ومَنْ ظن أنه في هذا
الزمان يقوم بآداء واجب العلم الذي حمله الله إياه في قوله تعالى [ وَإِذْ
أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ
لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا
بِهِ ثَمَناًّ قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ]( آل عمران : 187 ) وهو
معافى في نفسه وأهله وماله فلا أظنه قد أصاب " يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف
وانهى عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور [ لقمان : 17] .
3ـ لم هي عراقية ؟
وأيضا لم هي أفغانية ؟ ولم هي فلسطينية ؟ ولم هي شيشانية ؟ لم لا يقال المقاومة
الإسلامية في العراق والمقاومة الإسلامية في فلسطين ... وهكذا؟ ؛ وبين
الأسلوبين فرق كبير .
وأجد في نفسي حين أرى كثير من مشاهير المحللين الإسلاميين في المواقع الإسلامية
على الشبكة العنكبوتية وفي الصحف والمجلات الإسلامية يتكلمون عن تحرير العراق (
الأرض ) وتحرير فلسطين (الأرض ) ... وكأنهم لا يعرفون أن ( راية الجهاد رفعت
أساسا من أجل حفظ الدين " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنه ويكون الدين لله " أي "
حتى لا يكون شرك ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له " ، فتحرير الأرض يكون
من أجل منع فتنة الكفر والشرك عنها حتى لا يعبد فيها غير الله . ولو بقيت
الأرض بعد ( استقلالها ) ( وتحريرها ) واقعة تحت هيمنة الكفر ولو كان
محليا وطنيا , لما غير ذلك من أمر وجوب الجهاد شيئا . فالأمر إذا ليس
إقامة سلطة محل سلطة وإنما ما هو السلطان الذي ستقيمه هذه السلطة ؟ أهو
سلطان القرآن أم سلطان الشيطان ؟ !
وكذا تحرير الشعوب الإسلامية والمقدسات الإسلامية يكون لصد ضرر الكفر
والشرك عنها . فغاية الجهاد واحدة في جوهرها : ـ أن لا تكون فتنة وأن يكون
الدين ـ كل الدين ـ لله رب العالمين)[8] ولا أستطيع
التوضيح أكثر من هذا .
وتغيير الخطاب إلى هذه الصورة يساعد على نضوج ثمرة المقاومة الإسلامية في
العراق وغيرها وإبعاد اللصوص المتسلقين عن شجرتها ...لم لا تكون مفاصلة ـ ولو
خطابية ـ والقوم اليوم قد أعلنوها مواجهة شاملة ورمونا عن قوس واحدة ؟
-------------------------------
[1] وفي كتاب ( الطريق إلى ثقافتنا ) للعلامة محمود محمد
شاكر تفصيلٌ لذلك
[2] [ محمد مورو ـ المحايد العدد 107 ]
[3] في رسالة علمية ( ماجستير ) بعنوان الانحرافات العقدية
والعملية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجري . تعرض الكاتب فيها لهذه
المرحلة الزمنية و واثبت بما لا يدع مجالا للشك أن محمد علي كان عميلا .
[4] المصدر السابق
[5] وهذا الاحتمال ـــ وهو الانسحاب الصوري ـــ وارد
إذاتغيرت الإدارة الامريكية من جمهورية إلى ديمقراطية أو إذا ذاد الضرب على رأس
بوش وجنده .
[6] كما يعرفها الدكتور عابد السفياني .. البيان عدد شوال
1422هـ
[7] دكتور عبد العزيز كامل من مقال ( تغير الخطط في مواجهة
خطط التغيير )
[8] رسالة إلى طلائع الطائفة المنصورة ببيت المقدس واكناف
بيت المقدس ملحق البيان العدد 200