|
الحمد لله مقلب الأعوام عام بعد عام , والشهور بعد الشهور والأيام بعد الأيام
{ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً
لِأُولِي الْأَبْصَارِ }
(النور:44) والصلاة والسلام على الهادي البشير , والسراج المنير , وعلى آله
وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ... أما بعد :
فمرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام ** ياحبيباً زارنا في كل عام
قد لقيناك بحب مفعم ** كل حب في سوى المولى حرام
أختي الصائمة :
أطل علينا شهر عظيم , أوله رحمة وأوسطه مغفرة , وآخره عتق من النار , شهر
القرآن والصيام شهر الجهاد والنصر , شهر مضاعفة الحسنات والتوبة والغفران , هو
سيد الشهور , فمرحباً به وأهلاً .
أختي الصائمة :
في هذه الرسالة وقفات ونصائح , تقبليها من محبة لك , في هذا الشهر الكريم , عل
الله أن يتقبل منا ومنك الصيام والقيام إنه جواد كريم .
أولاً :
احمدي الله – أختي الصائمة على هذه النعمة العظيمة وهي إدراك شهر رمضان , فشمري
عن ساعد العزم واعقدي على التوبة من الآن , وأري الله من نفسك خيراً في هذا
الشهر الكريم , فلعلك لا تدركينه في عامك المقبل .
كم كنت تعرف ممن صام من سلف ** من بين أهل وجيران وإخوان
أفناهم الموت واستبقاك بعدهم ** حيا فما أقرب القاصي من الداني
ثانياً :
لا تكثري من شراء الأطعمة والمأكولات – عند بداية هذا الشهر – كما هو حال كثير
من الناس , فشهر رمضان , شهر الصيام , ليس شهر الأكل والشرب واعلمي أنه جعل
هناك وجبتان فقط في هذا الشهر , هما وجبتي السحور والإفطار , للتخفيف على العبد
, حتى يستطيع أن يقوم بحقوق الله في هذا الشهر من صيام وقيام وتلاوة للقران .
وتذكري أن من فوائد الجوع الآتي : صفاء القلب ورقته , كسر الشهوة في النفس ,
صحة البدن , التفرغ للعبادة , تذكر حال الفقراء والمساكين , شكر النعمة .
ثالثا:
اغتنمي هذه الأيام واجعلي هذا الشهر شاهداً لك عند الله يوم يبعثر ما في القبور
ويحصل ما في الصدور , وأري الله من نفسك خيراً , واسألي الله القبول , فإنه
علامة على التقوى , قال تعالى
{ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }
(المائدة: 27)
رابعاً :
لا تجعلي يوم صومك ويوم فطرك سواء فإذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب
والغيبة والنميمة , وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك .
خامساً :
عودي أبنائك على صيام هذا الشهر العظيم , واجعلي بينهم مسابقة لقراءة جزء من
القرآن الكريم مع حفظ وجه واحد مع جائزة قيمة لمن يصوم أكثر أيام من غيره .
سادساً:
اجعلي نيتك خالصةً لوجه الله – الكريم – وأنت تقومين بإعداد الإفطار , واحتسبي
عند الله تعالى أجر تفطير الصائم وإن كان زوجك وأبنائك وأفراد عائلتك فإن العمل
بالنية , لقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
( إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى )
وقوله :
( من فطر صائماً كان له مثل أجره ...)
سابعاً:
اجعلي لك رفيقاً دائماً وأنت في داخل المطبخ للطهي وإعداد الطعام , ألا وهو :
جهاز المذياع , حتى تنتهي من إعداد الإفطار وأنصتي بجميع جوارحك لما يقال فيه
من الخير العظيم في إذاعة القرآن الكريم . فهذه الإذاعة المباركة تقدم العلم
النافع , وتنتقل بك من روضة إلى روضة , ما بين تلاوة وحديث وفتوى – من عالم
–ونصائح وفوائد , يقول سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله : ( أنصح جميع المسلمين
باستماع برامج إذاعة القران الكريم , لأن فيها نفعاً وخيراً كثير...)
ثامناً:
احذري – أختي الصائمة –من العكوف على القنوات الفضائية التي يزيد شرها في هذا
الشهر الكريم والتي تبث الأفلام والمسلسلات الهابطة والفوازير الماجنة , حيث
تذهب بروحانية الصيام , قال تعالى :
{ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ
مَسْؤُولاً }
(الاسراء: 36) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :
( لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع )
منها :
( وعن عمره فيم أفناه ) .
تاسعاً:
حاولي جاهدة الانتهاء من إعداد الإفطار قبيل الأذان بربع ساعة , واجعليها
لقراءة القرآن والدعاء والاستغفار , فإن للصائم في هذا الوقت دعوة لا ترد . ولا
تنسي أولادك وأهل بيتك وجميع المسلمين من صالح دعائك .
عاشراً:
عجلي بالإفطار بعد غروب الشمس مباشرة لحديث سهل بن سعد – رضي الله عنه – عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور )
[ رواه البخاري ومسلم ] , ولا تغفلي عن البسملة قبل الأكل , وأفطري على تمر إن
تيسر ذلك , ثم رددي مع المؤذن ما يقول , واسألي الله الوسيلة والفضيلة لنبيك
محمد صلى الله عليه وسلم .
الحادي عشر :
لا تكثري من الأكل , لأنه يثقل البدن ويدعو إلى التكاسل عن العبادة وصلاة
التراويح وقيام الليل .
الثاني عشر :
بادري إلى مصلاك بعد سماع أذان العشاء , فصلي الفريضة وما كتب الله لك من صلاة
التراويح .
الثالث عشر:
جاهدي نفسك في هذا الشهر واجعلي لك ساعة من الليل لصلاة التهجد والقيام في وقت
هجع فيه الأبناء , وهدأ المنزل من الضوضاء .
ولا بأس بأن تمسكي بالمصحف للقراءة منه , وناجي رب البريات وخالق الأرض
والسماوات , وانطرحي بين يديه واسأليه العفو والصفح ومغفرة الذنوب , والثبات
على الحق حتى تلقينه , فرب دعوة صادفت باباً من السماء مفتوحاً نال صاحبها
سعادة الدارين .
الرابع عشر :
اجتنبي – أختي الصائمة – التطيب من طيب تظهر رائحته , إذا كنت ممن يذهب إلى
المسجد لأداء صلاة التراويح , وكذلك الحذر من عدم التستر في اللباس , لأن بعض
النساء – هداهن الله – يخرجن إلى صلاة التراويح وهن متبرجات متعطرات , وقد
أبدين بعض مفاتنهن .
والمرأة المسلمة مأمورة بالتستر والحجاب الكامل , فما بالك بمن خرجت للصلاة في
هذا الشهر الكريم .
الخامس عشر :
في العشر الأواخر من رمضان ليلة هي خير من ألف شهر , ألا وهي : ليلة القدر ,
وقال تعالى :
{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ
الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ
الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ *
سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ }
, وهي في الأوتار كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم , أي ليلة ( 21- 23
25-27 29 ) , ومع ذلك فإن كثير من النساء – هداهن الله – يضيعون هذه الليالي
العظيمة في الأسواق , لشراء ملابس العيد أو حلوى العيد , وهذا من الجهل والخطأ
, فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ
أهله عليه الصلاة والسلام .
السادس عشر:
لا تتكاسلي إذا جاءك العذر الشرعي فأنت منهية عن الصيام والصلاة فقط , أما
الأعمال الأخرى ( فلست منهية عنها ) , من دعاء وذكر الله , وتسبيح وتهليل
واستغفار .
(
ملحوظة:
قد تحيض البنت وعمرها تسع سنوات, فيجب عليها الصيام عند ذلك , ولا ينتظر إلى أن
تبلغ خمس عشرة سنة من عمرها ) .
السابع عشر:
إياك من النكوص والعودة إلى المعاصي التي كنت عليها قبل رمضان , فلا تكوني مثل
التي
{ نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً }
(النحل:92) , وتذكري ما كنت تعملينه من صيام وصلاة وتلاوة قرآن وإخبات إلى الله
, تذكري روحانيات رمضان وكيف كنت تعيشين في سعادة وطمأنينة وعيشة هنيئة , فكيف
تريدين العودة إلى حياة الشقاء والضنك , وصدق الله إذ قال :
{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى }
(طـه:124) .
واعلمي – أختي الصائمة –
أنك قد تتخطفك يد المنون وأنت قد خنت العهد مع الله , بعد أن أعلنت التوبة إليه
, وبكيت بين يديه , فنعوذ بالله من الحور بعد الكور .
الثامن عشر:
عليك بالقضاء بعد رمضان حتى تدركي صيام ستة أيام من شوال , لقول المصطفى صلى
الله عليه وسلم :
( من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر )
{البخاري ومسلم }.
أخيراً :
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا وإياك ممن تقبل الله منه الصيام
والقيام , وأن يجعلنا من عتقائه من النار , وأن لا يجعل هذا العام آخر عهدنا
برمضان , إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .