لحظة اللقيا بهذا الشهر لحظة ساخنة ، عسير على الأقلام نقل تفاصيلها
الحميميَّة ، وما دام الشوق لاهبا فإنَّ لحظات هذا اللقاء لا تبارح صاحبها
طيلة عمره ..
فها هو يتقلب في أيام هذا الشهر متحسرا على الدقيقة التي مضت ، والساعة
التي ذهبت وهو لم يبنِ بها سلما إلى الله ، أو طريقا إلى موجِده ومولاه .
إنَّ لحظة الألم لا تدوم عند المؤمن فهو أيضا لا يغادره الفرح نشوةً
بمباشرة الطاعة ولزوم العبادة ، وها هي أيام الشهر تتوالى أيامها ، ينقض
بعضها بعضا كأنما هي حبات رمل تذروها الرياح ، والسعيد من أبقى من هذه
الأيام لآخرته ما يرفع درجته وينقذه من حسرة الخسران وغصص الحرمان .
ما قلبت طرفي في هذا الشهر إلا وجدت الخير مدرارا في دمعة نقية ، وعبرة
متكسرة ، وعمل في وجوه البر لا ينقطع ، وإقبال كثيف نحو الغفور الرحيم ،
حتى صار انحسار الشر في نفوس الناس أكبر بكثير من دأب المفسدين على بثه في
الأجواء عبر الفضائيات ومختلف الشبكات .
إنه هذا الواقع يغري باستجماع القوى لمخاطبة هذه الفطر السويَّة بالخطاب
الرباني الجليل ، ويستحثُّ الهمم لادخار الأوقات في نشر الخير ودعوة الناس
إليه ، وهكذا يجب أن يكون المؤمن تجاه إخوانه يسقي بعذبهم الأرض الطيبة فما
تلبث أن تثمر الطيب اللذيذ من نعم اله التي لا تحصى ، فيما يطرح هو عنها
الحشائش الضارة والشوك القاسي والمؤثرات الخطيرة ، كل ذلك بيد حانية وقلب
رحيم وبسمة تعطر وجهه .
فلتطب أنفس سقت الخير للناس وتعاهدته حتى نما وأثمر .
سعد بن عبدالرحمن بن سعد النفيسة
saad_nf@hotmail.com