صيد الفوائد saaid.org
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







(( حكم تعجيل زكاة الفطر قبل وقت وجوبها ))

محمد أنور مرسال


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد ان محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:

من المسائل التي يكثر عنها السؤال: "حكم تعجيل زكاة الفطر".  

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هذه المسألة على أَقْوَالٍ:

(( القول الأول )):

يجوز أَنْ يُخْرِجَهَا قبل رمضان بعام أو عامين أو أكثر.

وهو الصحيح من مذهب الحنفية ([1]) .

واستدلوا على ذلك:

أن الوجوب إن لم يثبت فقد وُجِدَ سبب الوجوب، وهو رأس يُمَوِّنُه ويلي عليه، والتعجيل بعد وجوب السبب جائز: كتعجيل  الزكاة ([2]).

(( القول الثاني )):

يجوز تعجيلها في جميع السنة.

وهو وجه عند الشافعية -بأنه يجوز في جميع السنة- ([3]) .

واستدلوا على ذلك بأدلة:

الدليل الأول:

بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص للعباس في تعجيل زكاة ماله ([4]).

الدليل الثاني:

ولأنه حق من أجل الرفق فجاز تعجيله قبل محله كالدين المؤجل ([5]).

(( القول الثالث )):

يجوز التعجيل في جميع رمضان، ولا يجوز قبله.

وهذا قول بعض الحنفية -خلف بن أيوب- ([6])، وهو الوجه ([7]) الصحيح المشهور المعتمد عند الشافعية ([8])،  وهو قولٌ عند الحنابلة ([9]).

واستدلوا على ذلك بأدلة:

الدليل الأول:

بأنها فطرة الصوم، فلا تجوز قبله ([10]).

فهي مُرْتَبِطَةٌ بالصوم؛ فتجوز في رمضان، ولا يجوز تعجيلها قبله ([11]).

الدليل الثاني:

لانعقاد السبب الأول؛ إذ هي وجبت بسببين: رمضان والفِطر منه، وقد وُجِدَ أحدهما، فجاز

تقديمها على الآخر ([12]).

(( القول الرابع )):

يَجُوزُ تعجيلها وإِخْرَاجُهَا قبل العيد بيوم أو يومين.

وهذا مذهب بعض الحنفية -الكَرْخِي- ([13])، ورواية عند المالكية ([14])، وهو المذهب عند الحنابلة وعليه أكثر الأصحاب ([15]).

واستدلوا على ذلك بأدلة:

الدليل الأول:

(( .... وكانَ ابنُ عُمَرَ-رضي الله عنهما- يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا، وكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بيَومٍ أوْ يَومَيْنِ )) ([16]).

وجه الاستدلال: قال في آخره:( كانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين) وهذه إشارة إلى جميعهم، فيكون إجماعًا ([17]).

الدليل الثاني:

ما يُروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:(( أغنوهم عنِ الطَّوافِ في هذا اليومِ )) ([18]).

وجه الاستدلال: الأمــر للـوجـوب، ومتى قـدَّمـهـا بالـزمـان الكثير لم يحـصـل إغـنـاؤهـم بها يوم العيد ([19]).

الدليل الثالث:

زكاة الفطر عبادة مُؤَقَّتَةٌ بوقت، فلا يجوز التَّعَبُّدُ بها قبل هذا الوقت أو بعده، واستثني منه تقديمها بيوم أو يومين لحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- ([20]).

(( القول الخامس )):

لا يجوز التعجيل مطلقًا.

وهذا قول بعض الحنفية ([21])، ورواية عند المالكية ([22]).

واستدلوا على ذلك:

بأن وقت وجوب هذا الحق هو يوم الفطر، فكان التعجيل أداءٌ للواجب قبل وجوبه، وهو ممتنع كتعجيل الأضحية قبل يوم النحر ([23]).

(( الترجيح )):

الراجح في نظري -والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم، إن كان صوابًا فمن الله،وإن كان خطأً فمنى ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان، وأسأل الله أن يوفقني إلى مراده-:

هو قول بعض الحنفية والحنابلة، بأنه "يجوز التعجيل يومًا أو يومين".

برهان ذلك:

أولًا: أن المقصود من صدقة الفطر إغناء الفقراء يوم العيد، ومتى قدمها بالزمان الكثير لم يحصل

مقصود إغنائهم بها يوم العيد، وتعجيلها باليوم واليومين لا يخل بالمقصود منها؛ فإن الظاهر أنها تبقى أو بعضها إلى يوم العيد، فيستغنى بها عن الطواف والطلب فيه.

ثانيًا: لأثر ابن عمر -رضي الله عنهما-، وإجماع الصحابة السكوتي على ذلك.

ب ــ وقد يُستدل على عدم التعجيل بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه-قال:(( وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ،فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ

وَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-،قَالَ إِنِّي مُحْتَاجٌ، وَعَلَيّ َعِيَالٌ وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ، قَالَ: فَخَلَّيْتُ عَنْهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ-صلى الله عليه وسلم-:

(( يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البَارِحَةَ )) قَالَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً، وَعِيَالًا، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: (( أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ .....)) ([24]) 

وجه الاستدلال: لو كان التعجيل يجوز لأعطاه أبو هريرة -رضي الله عنه- من زكاة رمضان، أو لأرشده النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلمه أنَّ التعجيل يجوز فيها ([25])، والله أعلم.

وبالله التوفيق...

 


 

([1]) ــ بدائع الصنائع (2/571) طـ (دار الحديث) القاهرة، البناية في شرح الهداية (3/595) طـ (دار الفكر) بيروت ـ لبنان.

([2]) ــ بدائع الصنائع (2/572) طـ ( دار الحديث ) القاهرة، البناية في شرح الهداية (3/594) طـ (دار الفكر).

([3]) ــ المجموع بشرح المهذب (6/87) طـ ( دار إحياء التراث العربي ) ت: المطيعي.

([4]) ــ المجموع بشرح المهذب (6/ 112 ، 115) طـ (دار إحياء التراث العربي) ت: المطيعي، وتعجيل زكاة العباس (رضي الله عنه)، ورد في أحاديث،

انظر: (الأموال لأبي عبيد) (1885)، وانظر: سنن أبي داود (1624)، وسنن الترمذي (678)، وسنن ابن ماجه ( 1795 )

([5]) ــ المجموع بشرح المهذب (/112) طـ (دار إحياء التراث العربي) ت: المطيعي،

(( تنبيه )):

وهذه الاستدلالات استدلوا بها في غير موضع زكاة الفطر، وإنما في كل مال وجبت فيه الزكاة.

([6]) ــ بدائع الصنائع (2/571) طـ (دار الحديث) القاهرة.

([7]) ــ المقصود هنا: وقت التعجيل، وإلا ففي المذهب قالوا بجواز تعجيل زكاة الفطر قبل وجوبها بلا خلاف عند الشافعية؛ وإنما وقع الخلاف عندهم

في وقت التعجيل، (فقيل): يجوز بعد طلوع فجر اليوم الأول من رمضان، (وقيل): يجوز في جميع السنة -كما سبق وذكرناه-، (والصحيح عندهم):

أنه يجوز في جميع رمضان ولا يجوز قبله. وانظر: المجموع بشرح المهذب (6/87) طـ ( دار إحياء التراث العربي ) ت: المطيعي.

([8]) ــ المجموع بشرح المهذب (6/87) طـ (دار إحياء التراث العربي) ت: المطيعي.

([9]) ــ الإنصاف (1/480) طـ (بيت الأفكار الدولية) الأردن.

([10]) ــ بدائع الصنائع (2/571) طـ (دار الحديث) القاهرة.

([11]) ــ بدائع الصنائع (2/571) طـ (دار الحديث) القاهرة.

([12]) ــ  المجموع بشرح المهذب (6/85) طـ (دار إحياء التراث العربي) ت: المطيعي، نهاية المحتاج (3/162) طـ (دار الفكر) بيروت ـ لبنان.

([13]) ــ بدائع الصنائع (2/571) طـ (دار الحديث) القاهرة.

([14]) ــ مواهب الجليل (3/272) طـ (دار الكتب العلمية) بيروت ـ لبنان، شرح الزرقاني على موطأ مالك، (2/198) طـ (دار الحديث) القاهرة.

([15]) ــ  المغني (3/50) طـ (دار الكتب العلمية) بيروت ـ لبنان، الإنصاف، (1/480) طـ (بيت الأفكار الدولية)، كشاف القناع (2/318)

طـ ( دار إحياء التراث العربي ) بيروت ـ لبنان،

واعلم أن للحنابلة روايات أخرى فيها:

أ ــ رواية ( يجوز قبله بثلاثة أيام ).       

ب ــ وحُكيَت رواية ( بأنه يجوز تقديمها بخمسة عشر يومًا ).

ج ــ وقيل: ( يجوز قبله بشهر ).

والمعتمد عندهم أنها تجوز قبله بيوم أو يومين، ولا يجوز إخراجها قبل ذلك، وهو من مفردات المذهب.

([16]) ــ رواه البخاري (1511).

([17]) ــ المغني (3/50) طـ (دار الكتب العلمية) بيروت ـ لبنان.

([18]) ــ إسناده ضعيف: رواه الدارقطني (2114)،والبيهقي في الكبرى (7739)،وابن زنجويه في الأموال (1961).

([19]) ــ المغني ( 3 / 50 ) طـ ( دار الكتب العلمية ) بيروت ـ لبنان.

([20]) ــ المغني (3/50) طـ (دار الكتب العلمية) بيروت ـ لبنان، المنح الشافيات بشرح مفردات أحمد، البهوتي (1/316)

طـ (دار كنوز إشبيليا) الرياض - السعودية.

([21]) ــ بدائع الصنائع ( 2 / 571 ) طـ ( دار الحديث ) القاهرة.

([22]) ــ التاج والإكليل ( 3 / 272 ) _ وهو بهامش مواهب الجليل _ طـ ( دار الكتب العلمية ) بيروت ـ لبنان.

([23]) ــ بدائع الصنائع ( 2 / 571 ) طـ ( دار الحديث ) القاهرة.

([24]) ــ رواه البخاري ( 2311 )

([25]) ــ  وقد يُعارض هذه الاستدلال: بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعلم أنه شيطان، ولذلك ما أرشده لإعطائه.

وقد يُجاب عن ذلك: ولكن يبقى فهم أبي هريرة -رضي الله عنه- وعدم تعجيله بالإعطاء، وإقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- له، وهذا يتوافق مع فهم ابن عمر -رضي الله عنهما-.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
 
  • استقبال رمضان
  • يوم في رمضان
  • رمضان شهر التغيير
  • أفكار دعوية
  • أحكام فقهية
  • رسائل رمضانية
  • المرأة في رمضان
  • سلوكيات خاطئة
  • فتاوى رمضانية
  • دروس علمية
  • رمضان والصحة
  • الهتافات المنبرية
  • العشر الأواخر
  • بطاقات رمضانية
  • المكتبة الرمضانية
  • وداعاً رمضان
  • الصفحة الرئيسية