أحكام وسنن وعبر في الشتاء والربيع |
عنيزة عبدالمحسن القاضي |
الخطبة الأولى أيها الإخوة المؤمنون:
ومما يحتاجه المؤمن كثيرا في الشتاء وغيره كذلك، المسح على الخفين، وإن من
تيسير الله علينا في هذا الدين العظيم، أن أجاز الله لعباده عددا من الرخص
يترخصون بها، وفيها المسح على الخفين بدلا من غسل الرجلين، ويلزم الإنسان عند
لبس الخفين من شراب ونحوه أن يكون طاهرا متوضئا، ويمسح عليهما عند الوضوء، إن
كان مقيما يوما وليلة، وإن كان مسافرا ثلاثة أيام بلياليهن، وتبدأ مدة المسح
على الخفين من أول مسحة عليهما فإن لبس الإنسان خفيه عند صلاة الفجر ومسح
عليهما في صلاة الظهر فابتداء المدة من الوقت الذي مسح فيه عند صلاة الظهر،
فيمسح المقيم إلى مثل ذلك الوقت من الغد، وإذا تمت المدة، وهو على طهارته،
فطهارته باقية حتى ينقض، وإذا انتقضت بعد تمام المدة وجب عليه غسل رجليه إذا
توضأ، ثم يلبس من جديد، ومن تمت مدته فنسي ومسح بعد تمام المدة فعليه أن يعيد
الصلاة التي صلاها بذلك المسح، ومن لبس الكنادر فله أن يمسح عليها وإن شاء مسح
شراب إذا مُسِح أحدهما أول مرة تعلق الحكم به، فإذا قدر أن يمسح الكنادر
فليستمر على مسحها ولا يخلعهما حتى تتم المدة، فإن خلعهما قبل تمام المدة لنوم
أو لغيره فإنه لا يعيدها إذا توضأ حتى يغسل رجليه لأن الممسوح إذا خلع لا يعود
المسح عليه إلا بعد غسل الرجلين أما إذا تعلق المسح بالشراب فلا يضر خلع
الكنادر، وكيفية المسح أن يبل يديه بالماء ثم يمرهما على ظهر الخفين من أطرافه
مما يلي الأصابع إلى الساق مرة واحدة، ومن رحمة الله بالعباد أن من احتاج إلى
ربط شيء على كسر أو جرح أو جبيرة فإنه يمسح عليها كلها بدلا من غسلها في الوضوء
والغسل حتى تبرأ ويقوم مسحها مقام غسلها تيسيرا من الله تسهيلا على عباده ولله
الحمد والمنة، انتهى كلام الشيخ حفظه الله.إخوة الإيمان: وكذلك مما يرد على
الإنسان في الشتاء كثرة الأمطار، وهي نعمة الله عز وجل، وخير للبلاد والعباد،
تستحق منا الشكر، ووقت نزول المطر هو من أوقات الاستجابة للدعاء، وكذلك مما ورد
من الأذكار والأدعية عند نزول المطر أن يقول المسلم: "مطرنا بفضل الله ورحمته
"، وكذلك أن يقول: " اللهم اجعله صيبا نافعا "، وغير ذلك من الأدعية والسنن،
وإن في تصريف الأمطار في بعض الأمصار وحبسها عن بعض الديار لعبرة لأولي الأبصار
وعظة للعصاة الفجار، قال تعالى: وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته
وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما
وأناسي كثيرا ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا
[الفرقان:48-50]. وفي نهاية الشتاء تخضر الأرض، وتخرج بركاتها بفضل الله ومنته،
أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي قال: ((إن أخوف ما أخاف
عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض، قيل : مابركات الأرض؟ قال: زهرة
الدنيا، فقال له رجل: هل يأتي الخير بالشر؟ فصمت رسول الله حتى ظننت أنه سينزل
عليه، ثم جعل يمسح على جبينه، قال أين السائل ؟ قال: أنا، قال: لا يأتي الخير
إلا بالخير، إن هذا المال خضرة حلوة، وإن كل ما أنبت الربيع يقتل حبطا أو يلم
أي يشبع إلا آكله الخضر أكلت حتى إذا امتدت خاصرتها استقبلت الشمس فاجترت وثلطت
وبالت ثم عادت فأكلت وإن هذا المال خضرة حلوة من أخذه بحقه، ووضعه في حقه، فنعم
المعونة هو، وإن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع))، عباد الله كل ما في
الدنيا فهو مذكر بالآخرة، ودليل عليه، فنبات الأرض واخضرارها في الربيع بعد
يبسها، يدل على بعث الموتى من الأرض، وذكر الله ذلك في مواضع كثيرة من كتابه
فهو يقول: وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل
زوج بهيج ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحي الموتى و أنه على كل شيء قدير وأن
الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور [الحج:5-6]. ويقول جل
وعلا: ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات
لها طلع نضيد رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج [ق:9-11]. قال أبو
رزين للنبي : كيف يحيي الله الموتى وما آية ذلك في خلقه؟ قال: ((هل مررت بواد
أهلك محلا ثم مررت به يهتز اخضرارا قال: نعم، قال: كذلك يخرج الله الموتى وذلك
آيته في خلقه)) خرجه الإمام أحمد.تفكر في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع
المليك عيون من لجين ناظرات بأحداق هي الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات بأن
الله ليس له شريك إخوة الإيمان : فصول السنة تذكر بالآخرة فشدة حر الصيف يذكر
بحر جهنم، وهو من سمومها، وشدة برد الشتاء يذكر بزمهرير جهنم، وهو من نفسها،
والخريف يكمل فيه اجتناء الثمرات التي تبقى وتدخر في البيوت، فهو منبه على
اجتناء ثمرات الأعمال في الآخرة، وأما الربيع فهو أطيب فصول السنة وهو يذكر
بنعيم الجنة، وطيب عيشها فهذه التنقلات توجب للعاقل الدهش والتعجب من صنع صانعه
وقدرة خالقه جل وعلا.فوا عجبا كيف يعصي الإله أم كيف يجحد الجاحد ولله في كل
تحريكة وتسكينة أبدا شاهد وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم: وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا
منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب
والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في
ذلكم لآيات لقوم يؤمنون [سورة الأنعام:99].بارك الله لي ولكم في الفرقان العظيم
. . . |