|
غاب النبي صلى الله عليه وسلم عن ثوبان خادمه ، وكان شديد الحب له قليل الصبر
عنه ، وحين أتاه رآه قد تغير لونه ونحل جسمه ، يُعرف في وجهه الحزن ، فقال له :
" يا ثوبان ، ما غيّر لونك ؟ " فقال: يا رسول الله ما بي ضر ولا وجع ، غير أني
إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ، ثم ذكرت الآخرة ، وأخاف
أن لا أراك هناك ، لأني عرفت أنك تُرفع مع النبيين ، وأني إذا دخلت الجنة كنتُ
في منزلة هي أدنى من منزلتك ، وإن لم أدخل فذلك حينٌ لا أراك أبداً . فأنزل
الله تعالى {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ
أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء
وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} الآية 69 سورة النساء
وأُسند عن مسروق قال : قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ينبغي لنا
أن نفارقك في الدنيا ، فإنك إن فارقتنا رُفعت فوقنا . فأنزل الله هذه الآية ..
أي في دار واحدة ونعيم واحد ، يستمتعون برؤيتهم والحضور معهم ، لا أنهم
يساوونهم في الدرجة ، فإنهم يتفاوتون . يتزاورون للاتباع في الدنيا والاقتداء .
وكلُّ مَن في الآخرة رُزق الرضا بحاله ، وذهب عنه اعتقاد أنه مفضول . قال الله
تعالى : " ونزعنا ما في صدورهم من غل ، إخواناً على سرر متقابلين " الآية 47
سورة الحجر
وقالت طائفة : إنما نزلت هذه الآية لما قال عبد الله بن زيد بن عبد ربه
الأنصاري – الذي أُري الأذان – يا رسول الله ، إذا متَّ ومتنا كنتَ في علّيين
لا نراك ، ولا نجتمع بك . وذكر حزنه على ذلك . .. وذكر مكي عن عبد الله هذا أنه
لما مات النبي صلى الله عليه وسلم قال : اللهم اعمني فلا أرى شيئاً بعده ، فعمي
مكانه .
عن القرطبي رحمه الله .