- حدثنا أحمد بنُ الحُواري قال :
دخلت على أبي سليمان الداراني يوماً وهو يبكي ـ فقلت له : ما يبكيك ؟
قال : يا أحمدُ ، إنه إذا جُنّ الليل على أهل المحبة افترشوا أقدامهم ،
ودموعهم تجري على خدودهم ، وقد أشرف عليهم الجليل فنادى :
يا جبريل ، بعيني من تلذّذ بكلامي واستراح إلى مناجاتي ، وإني لمطّلع عليهم
، أَسمع خنينهم ( والخنين خروج صوت البكاء من الأنف ، وهو بكاء دون انتحاب
) وأرى بكاءهم .
فنادِ فيهم يا جبريل : ما هذا الجزع الذي أراه فيكم ؟
هل أخبرَكم عني مخبرٌ أن حبيباً يعذب أحباءه ؟!
أم هل يجمُـل بي أن أبيـٍّت أقواماً ، وعند البيات أجدهم وقوفاً ، فإذا
جنّهم الليل تملّقوني ( تودّدوا إليّ بكلام لطيف ، وتضرّع فوق ما ينبغي ) ؟
فبي حلفتُ ، لأجعلَنّ هديّتي إياهم – لو قد وردوا عليّ القيامة – أن أكشف
لهم عن وجهي الكريم ، أنظر إليهم وينظرون إليّ .
- وحدثنا ضرار بن عمرو عن الحسن البصريّ ، قال :
قرّاء القرآن ثلاثة :
رجل اتخذه بضاعة ينقله من مصرٍ ( بلد) إلى مصر .
وقوم قرأوا القرآن : حفظوا حروفه وضيّعوا حدوده ، واستجرّوا به الولاة ،
واستطالوا به على أهل بلدهم ، فقد كثر هذا الضرب ( النوع ) في حمَلَة
القرآن . قال الحسن : لا كثّرهم الله .
ورجل قرأ القرآن ، فبدأ بما يعلم من دواء القرآن ، فوضعه على داء قلبه ،
فأسهرَ ليله ، وهمَلَتْ عيناه ، وتسربلوا بالحزن ، واربَدّوا ( احمرت
وجوههم مع شحوب ) بالخشوع ، وركدوا ( سكنوا وهدأوا ) في محاريبهم ، وخنّوا
في برانسهم ( كل ثوب قلنسوته فيه ) . فبهم يسقي الله الغيث ، ويـُنزل المطر
، وينزل النصرَ ، ويدفع البلاءَ .
واللهِ لـَهذا الضربُ أقلّ من الكبريت الأحمر
- حدّثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال :
قال موسى عليه السلام : يا ربّ مَن أهلـُك الذين هم أهلـُك الذين تُظلهم في
ظل عرشك ؟
قال: هم البريئةُ أيديهم ، الطاهرةُ قلوبُهم ، الذين يتحابّون بجلالي ،
الذين إذا ذُكِرْتُ ذُكِروا بي ، وإذا ذُكِروا ذُكِرْتُ بهم ، الذين
يُسبغون الوضوء عند المكاره ، الذين يُنيبون( يؤوبون ) إلى ذكري كما تُنيبُ
النسورُ إلى وُكورها ، ويَكلَفون ( يشتد عشقه واهتمامه ) بحبي كما يَكلَف
الصبيّ بحب الناس ، ويغضبون لمحارمي إذا استُحِلّتْ كما يغضب النّمِرُ إذا
حَرِب ( اشتد غضبه ) .