لا يختلف اثنان في أن الشباب هم نبض المجتمع وسرّ قوته , صانع الأمة
ومحركها . هذه الشريحة التي تشكل ترمومتر الزخم المعرفي والقياس الحضاري
للمجتمع تحتاج إلى تحديد دقيق لمستلزماتها , وتوفير الظروف المساعدة على
تحقيقها .
وليس من التجني القول أن ما صار إليه شبابنا اليوم قد دبّــر بليل , وساهم
في إخراجه وتنفيذه الشباب أنفسهم الذين هم مربط الفرس في حيثيات الدفاع
عنهم هنا , أو إثبات التجريم لهم هناك ... كما انه من غير المناسب أن نسرد
حلقات المسلسل القديم أو نكشف خطوات المخططات المشبوهة ؛ لأن هذا سيكون بعد
أن وقعت الفأس في الرأس , وهو على كل حال موجود لمن كان له قلب يعقل أو أذن
تسمع وعين ترى .
لعل أكبر مغريات الشباب وأكثرها خطورة عليهم هي : الإعلام , والمرأة ,
والرياضة . فالأول فتنة لم يسلم منها بيت ـــ إلا ما رحم ربي ــــ وكم
بكينا منه قديماً فلما صرنا في غيره بكينا عليه , فالمشفرات والرقميات
والممغنطات ثم المواقع الإباحية والشات كلها سيل جارف يقتحم البيوت والقلوب
في ظل شبه غياب للبديل الإسلامي , وان وجد فهو محدود أو مراقب , والمتتبعون
له من الندرة بحيث لا يشكلون واحداً في الألف . هذا من جهة , ومن جهة أخرى
فراغ القلوب من الإيمان ــــ إلا من عصم الله ــــ فكان كقول الشاعر :ــ
فلو كان في القلب هوى العبادة ولذة الإيمان لكان وكان . ومن جهة ثالثة
انعدام وسائل الردع الفكري والمعرفي والانتماء الحضاري ما جعله يعبث
بعقولهم و يشكل لدى السباب أفكاراً و رؤى تخدم الآخر أكثر مما تخدم الأمة .
وحبائل الشيطان كثيرة ولكن أخطرها وأجملها المرأة , ولا يخلو إعلام من
المرأة على حدّ ثقافتي البسيطة وعلمي الهزيل ولا غنى لأحدهما عن الآخر
بالمقياس الليبرالي فهما وجهان لعملة واحدة , وان كانت فائدة المرأة من
الإعلام كبيرة , فقد كان ذلك على حساب تنازلات من جانبها أكبر ...
أما الرياضة فقد أخذت حجماً أكبر من حجمها , وأولاها الشباب اهتماماً
زائداً , وأضحت شغلهم الشاغل , صحيح انه ربّ ضارة نافعةٌ , ولكن نفعها لا
ينفي عنها صفة الضرر كلية . وما فتئ الإعلام يروّج لنهائيات كأس العالم من
خلال التحاليل الموضوعية للمباريات , وما يستضيفه من خبراء في مجالات الكرة
بله المسابقات والإغراءات المادية الأخرى .
إن تجاوز الأمة ما هي فيه من محن وخروجها من المأزق الراهن لا يتأتى إلا
إذا أخذ الشباب زمام الأمور , ولن يكون ذلك كذلك إلا إذا وعت هذه الشريحة
دورها المنوط بها , وأدركت أبعاد المؤامرات التي تحاك ضدها ؛ ليكون همها
إخراج الأمة والعودة بها إلى جادة الطريق ..