بسم الله الرحمن الرحيم
بون شاسع وفرق كبير يظهر للمتأمل المقارن بين ما عليه أحوال السلف من
التبكير إلى الصلاة ، والحرص على إدراك تكبيرة الإحرام والصف الأول ، بل
ومجيئهم إلى الصلاة قبل سماع الأذان ، وما عليه حالنا اليوم من التأخر في
الصلوات والتثاقل عن القيام إليها والتكاسل في التبكير إلى الصف الأول ، بل
وفوات كثير من الصلوات جماعةً ، لا لسبب سوى التراخي والتسويف والكسل وعدم
إدراك فضيلة التبكير إلى الصلاة .
من هنا كانت هذه الكلمات ؛ لندرك من خلالها فضل التبكير إلى الصلاة ، وحال
السلف في ذلك ، لعلها تحرك ساكن النفوس وتبعث الهمم .
التبكير إلى الصلاة والمبادرة إلى المسجد وانتظار إقامة الصلاة والاشتغال
بالذكر والقراءة والنوافل من أسباب المغفرة ومن أعظم الخيرات ، وهو دليل
على تعظيم الصلاة وتعلق القلب بالمسجد ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ...) [رواه البخاري] والتهجير :
التبكير إلى الصلاة
وللتبكير إلى الصلاة فوائد ، منها :
1- أن منتظر الصلاة لا يزال في صلاة ما انتظرها ، قال عليه الصلاة والسلام
(لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله
إلا الصلاة) [متفق عليه]
2- أن الذي ينتظر الصلاة تصلّي عليه الملائكة وتدعو له بالمغفرة والرحمة ما
دام في مصلاه ما لم يحدث أو يؤذِ ، قال عليه الصلاة والسلام ( الملائكة
تصلّي على أحدكم مادام في مصلاّه ما لم يحدث اللهم اغفر له اللهم ارحمه)
متفق عليه . وفي رواية للبخاري (ما لم يحدث فيه وما لم يؤذ فيه)
3- أن انتظار الصلاة بعد الصلاة سبب في محو الخطايا ورفع الدرجات وهو من
الرباط ، قال عليه الصلاة والسلام : (ألا أدلكم على ما يمحو الله به
الخطايا ويرفع به الدرجات)؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : (إسباغ
الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة
، فذلكم الرباط فذلكم الرباط) [رواه مسلم] .
4- أن في التبكير إلى المسجد ضمان لإدراك صلاة الجماعة التي تفضل على صلاة
المنفرد بسبع وعشرين درجة كما في حديث ابن عمر المتفق عليه .
5- أن المبكّر إلى المسجد يدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام ، وقد قال عليه
الصلاة والسلام : (من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى
كتبت له براءتان : براءة من النار وبراءة من النفاق) [ رواه الترمذي ،
وحسنه ابن مفلح و الألباني] .
6- أن المبكر إلى الصلاة يدرك الصف الأول ، الذي قال عنه _صلى الله عليه
وسلم _ : (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن
يستهموا عليه لاستهموا) [متفق عليه] . وقوله (يستهموا) أي يضربوا قرعة .
وقال عليه الصلاة والسلام : (خير صفوف الرجال أوّلها وشرّها آخرها) [رواه
مسلم] . وقال أيضا (إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدّم) [رواه
النسائي] ، ورواه ابن ماجه بلفظ (الصف الأول) وصححه الألباني ، وكان صلى
الله عليه وسلم يستغفر للصف المقدّم ثلاثا وللثاني مرّة ، [رواه أحمد وصححه
الألبانيٍ]
7- إدراك ميمنة الصفّ ، وقد قال عليه الصلاة والسلام (إن الله وملائكته
يصلون على ميامين الصفوف) [رواه أبو داود ، وحسنه ابن حجر في الفتح]
8- إن المبكر إلى المسجد يتمكن من الإتيان بالنوافل المشروعة بين الأذان
والإقامة والسنن الرواتب القبلية
9- أن المبادرة إلى الصلاة دليل على تعلّق القلب بالمسجد ، وقد قال عليه
الصلاة والسلام : (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلا ظلّه ، فذكر
منهم: ورجل معلّق قلبه بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه) [متفق عليه
واللفظ لمسلم] .
10- أن التبكير إلى المسجد وانتظار الصلاة سبب في حضور القلب في الصلاة
وإقبال المرء على صلاته وخشوعه فيها
11- أن المبكر إلى الصلاة يتمكن من الدعاء بين الأذان والإقامة فكل دعاء
بينهما مستجاب ، كما يتمكن من الإتيان بأذكار الصباح والمساء في وقت الفجر
والمغرب .
12- أن من يأتي مبكراً يحضر إلى الصلاة بسكينة ووقار ، فيكون ممتثلاً أمر
النبي صلى الله عليه وسلم ، بخلاف المتأخر فإنه غالبا يأتي مسرعاً مستعجلاً
هذه بعض فوائد التبكير إلى الصلاة ، والتي أدركها سلفنا الصالح فكانوا
يبادرون إلى الصف الأول وإدارك التكبيرة الأولى
وهاك أخي الفاضل صوراً من حرص سلفنا الصالح على التبكير إلى الصلوات :
قال ربيعة بن يزيد : ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في
المسجد إلا أن أكون مريضًا أو مسافرًا [السير 5/240]
وقال يحيى بن معين عن يحيى بن سعيد : إنه لم يفته الزوال في المسجد أربعين
سنة [السير 9/181]
وقال سعيد بن المسيب: ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة وما نظرت في
قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة [وفيات الأعيان 2/375]
ونقل ابن سعد عنه أنه قال: ما سمعت تأذيناً في أهلي منذ ثلاثين سنة
[الطبقات 5/131]
وقال وكيع بن الجراح: كان الأعمش قريبًا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة
الأولى [تذكرة الحفاظ 1/154]
وبعض السلف لم تفته التكبيرة الأولى مع الإمام إلا في يوم واحد منذ أربعين
سنة ولعذر ، فقد قال ابن سماعة : مكثت أربعين سنة لم تفتني التكبيرة الأولى
إلا يوم ماتت أمي [السير 10/646]
وعن استعدادهم للصلاة :
قال عدي بن حاتم : ما جاء وقت الصلاة إلا وأنا إليها بالأشواق، وما دخل وقت
صلاة قط إلا وأنا لها مستعد [الزهد/249]
وذكر الحافظ الذهبي عنه أنه قال: ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على
وضوء [السير 3/164]
وقال سفيان بن عيينة: إن من توقير الصلاة أن تأتي قبل الإقامة [صفة الصفوة
2/235]
وهذا إبراهيم بن ميمون المروزي أحد الدعاة المحدثين الثقات من أصحاب عطاء
بن أبي رباح، وكانت مهنته الصياغة وطرق الذهب والفضة ، قال ابن معين: (كان
إذا رفع المطرقة فسمع النداء لم يردّها) [تهذيب التهذيب1/151]
وقد حث سفيان بن عيينة على السير إلى الصلاة حتى قبل النداء فقال: لا تكن
مثل عبد السوء لا يأتي حتى يدعى ائت الصلاة قبل النداء [التبصرة 1/137]
وإذا كان هذا ما عرفناه من اهتمامهم بالصلاة وبتكبيرة الإحرام خصوصًا، فلا
غرابة إذا قال إبراهيم النخعي: إذا رأيت الرجل يتهاون بالتكبيرة الأولى
فاغسل يديك منه [صفة الصفوة 3/88]
* هذه بعض الصور من حرص أولئك السلف على التبكير إلى الصلاة وإدراك
التكبيرة الأولى ، فكيف كانت أحوالهم إذا فاتت أحداً منهم صلاة الجماعة مع
شدة عنايتهم بها واستعدادهم لها ؟
قال قاضي الشام سليمان بن حمزة المقدسي: لم أصل الفريضة منفردًا إلا مرتين
وكأني لم أصلهما قط، مع أنه قارب التسعين [ذيل طبقات الحنابلة 2/365]
وكانوا يتألمون لفوات هذا الخير العظيم والأجر الجزيل
قال محمد بن المبارك الصوري: كان سعيد بن عبد العزيز إذا فاتته صلاة
الجماعة بكى [تذكرة الحفاظ 1/219]
ولم تكن صلاة الجماعة تعدل عندهم شيئًا من أمور الدنيا التي أصبحنا نلهث
وراءها وربما نؤخر الصلاة من أجلها، فقد أتى ميمون بن مهران المسجد فقيل
له: إن الناس قد انصرفوا فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لفضل هذه الصلاة
أحب إلي من ولاية العراق [مكاشفة القلوب/364]
قال يونس بن عبد الله: ما لي تضيع لي الدجاجة فأجد لها وتفوتني الصلاة فلا
أجد لها ؟!! [صفة الصفوة 3/307]
وقال حاتم الأصم قال: فاتتني الصلاة في الجماعة فعزاني أبو إسحاق البخاري
وحده، ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف، لأن مصيبة الدين أهون عند
الناس من مصيبة الدنيا [مكاشفة القلوب/364]
نسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يجعلنا من أهل التبكير والصفوف الأولى وأن
يرزقنا الإخلاص في القول والعمل
(*) المشرف العام على مجموعة مواقع رواد التميز www.rowadaltamayoz.com
|