|
قال سبحانه :
( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ
وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ )
...
نداء إلى جميع أولياء الأمور للاستيقاظ من غفلتهم عن تربية أبنائهم تربية
صحيحة ، والاعتبار بمصائب الغير وشكر النعمة ، فنجد اليوم فئة لا يستهان بها
من ( أولياء الأمور ) لا يهتمون بأبنائهم ، وفلذات أكبادهم وبناتهم آلا في
مسائل الأكل والشرب ، والسكن ، والكسوة ظنا منهم أن هذا فقط هو المطلوب ،
ولاشيء غيره مرغوب، في حين أنه لا يكون بهذا وحده صلاح الأرواح والقلوب ،
فهنالك جوانب أخرى تحتاج إلى الاهتمام والالتزام ، وإهمالها في حق الأبناء
والبنات ظلم وحرام ، كالتربية على الكتاب والسنة ، وتنشئتهم على الأخلاق
الحميدة ، والعادات الفاضلة والتليدة .. وهذه الجوانب يهملها الكثير من
الآباء والأمهات وأولياء الأمور فنشأ اثر ذلك جيل مسخ لا يهتم ، ولا يراعي
الااب والدين ( الامن رحم ربي ) ..
وأنا
لنرى و نشاهد في بعض العوائل أن الابن مثلا ان تأخر عن أكل وجبته ، أو شرب
عصيره تقوم عليه القيامة في بيته ، فينهره والده ، وتزجره أمه ويحرضاه أشد
التحريض على ذلك ، وكأنه ترك طاعة أو أتى معصية ، أما ان ترك صلاة ، أو لم
يحفظ سورة من كتاب الله ، أو عمل ما يخالف شرعه وهداه ، فصم بكم عمي لا
ينصحان ولا يزجران ، فان نام الولد عن صلاة الفجر فذلك حق له للنوم والراحة،
لكن ان حاول النوم عن موعد الدراسة فلا راحة ولا استراحة ، فالاستيقاظ عليه
واجب ، وان سحب من على سريره من الشعر والحاجب .
عموما فهم يهتمون بالجوانب المادية ويهملون الروحية ، ويعدونه لمستقبل زاخر
في الحياة الدنيوية ، ويهملون إعداده للحياة الأخروية ، والله يقول في كتابه:
( قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ
نَاراً ) ولم يقل جوعا ، فقد تعهد
برزقنا وإياهم فقال :
( نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ )
، ومنهم من يريد كما يقول المثل ( أن يكحل عينه يقلعها ) فيوفر لأبنائه كل ما
يتمنون ويشتهون ولا يسألهم عن من يصاحبون ، ولا ينظر ولا يتحرى ان كانوا
يصلحون أو يفسدون ، فاذا انحرف الابن أو البنت ، ووقع في ما يوجب التعزير و
العنت ؛ كأن يدمن المخدرات ، ويرتكب السرقات ، يدخن السجائر وينحرف ، وأخلاقه
تتطاير ، قال ولي الأمر : كيف حصل هذا ؟ وما السبب ؟ ألم أوفر له كل ما يشتهي
؟ وما يطلب ويبغي ؟ والجواب : بلى ، فعلت ، ولكنك لم توفر له التربية الصحيحة
، والنصح والإرشاد والمتابعة حتى سقط وأسقطك معه في الفضيحة .
هذا
ومن المظاهر السيئة التي نشهدها في مجتمعنا أن نجد بعض الصغار و المراهقين
يصاحبون من هم فوق العشرين والخامسة والعشرين و الثلاثين ويدعون من هم في
سنهم من أصحابهم وأقرانهم ! فيتسبب ذلك في فساد أخلاقهم , وعقوقهم لآبائهم
وأمهاتهم ، وقد يكون من بين هؤلاء الكبار مربين فاضلين هدفهم إصلاح خلل
الآباء ،و إصلاح نهج الآباء ، ومحاربة الداء بالدواء فهؤلاء لا تقصدهم
بالكلام ، ولا نواجههم بالملام ، ولكن الكلام هنا ضد أولئك الذين هم كالأنعام
، والذين جانبوا الأخلاق والاحترام ، وقاربوا العصيان والحرام ، واتخذوا من
صغار السن أقرانا لهم وهم أكبر منهم بالكثير من الأعوام ، ومن هؤلاء ذئاب
بشرية ، يهجرون الفضيلة ويرضون بالدنية ، فيوقعون الصغار في فخاخهم ويسببون
في انحرافهم ، ويشبعون بهم رغباتهم ، وقد يظهرون للوصول الى ذلك انهم ذوي خلق
وأدب ، ويحسنون التعامل مع أولياء أمور من كان عليهم الطلب فالحذر الحذر ،
فهؤلاء بلاء وخطر .
وأخيرا وليس آخرا نعرض في هذه العجالة لكل ولي أمر بعض النصائح والحلول لرفع
مستوى الأبناء والبنات أو من هم تحت ولايته لما فيه الخير والمصلحة دنيا
وآخرة :
1-
أن يحس ولي الأمر ويدرك حجم مسؤوليته تجاه أبناءه ومن هم تحت ولايته فهو مسؤل
عنهم أمام الله يوم القيامة ومحاسب على ذلك ، أن يجعل ذلك واقعا عمليا محسوسا
. عن ابن عمر( رضي الله عنهما ) عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : (
كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته ن والأمير راع ، والرجل راع على أهل بيته ،
والمرأة راعية على بيت زوجها وولده ، فكلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته ) _ متفق
عليه .
2-
أن ينشئ ولي الأمر أبنائه وبناته أو من هم تحت ولايته على الكتاب والسنة ،
فيحفظهم في الصغر على كتاب الله وأحاديث رسول الله ، ويحثهم على الانتهاج
بنهج الكتاب والسنة في الكبر ويثبتهم عليه قال تعالى : ( وأطيعوا الله
وأطيعوا الرسول ) .
3-
أن ينشئ ولي الأمر أبناءه وبناته أو من هم تحت ولايته على العلم الشرعي ،
ويعلمهم كل ما يلزم وينفع من أمور دينهم ، ودنياهم ، وآخرتهم ليكونوا قادرين
على الاستقامة على النهج الصحيح ، وقادرين على التمييز بين الصواب والخطأ
وبين الحق والباطل قال تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً )
قال سفيان الثوري (رحمه الله) في تفسير هذه الآية : ( أي علموهم وأدبوهم )
وقال الضحاك ومقاتل (رحمهما الله) : ( حق على المسلم أن يعلم أهله من قرابته
وامائه وعبيده ما فرض الله عليهم وما نهاهم الله عنه ) .
4-
أن يكون ولي الأمر قدوة حسنة وصالحة أمام أبنائه وبناته ومن هم تحت ولايته ،
فلا يأمرهم بخير آلا ويكون قد أتاه ولا ينهاهم عن شر آلا ويكون قد اجتنبه ،
وليس كما قيل : (طبيب يداوي والطبيب عليل) فيامرهم ولا يفعل ، وينهاهم ويأتي
بما نهاهم عنه فان في ذلك حطر عظيم قال تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ )
– قال بن كثير – رحمه الله : ( انكار على من يعد وعدا او يقول قولا لا يفي به
) .
5-
ان يحث ولي الأمر أبناءه وبناته ومن هم تحت ولايته على آداء العبادات
والطاعات ، ويزجرهم على تركها فان في ذلك خيره وخيرهم ، قال ( صلى الله عليه
وسلم) ( مروا الصبي بالصلاة اذا بلغ سبع سنين ، فاذا بلغ عشر سنين فاضربوه
عليها – أي اذا تركها - ) رواه الترمذي وابو داوود واللفظ له .
6-
أن يتعهدهم بالنصيحة ، والتوجيه والإرشاد الدائم والمتكرر ليكون عندهم بذلك
مناعة ضد الانحراف والسقوط الى الهاوية ، قال ( صلى الله عليه وسلم ) : (
الدين النصيحة )- حديث صحيح – هذا ولينصحهم باسلوب فيه الرقة واللين قال
تعالى (وقولوا للناس حسنا) ، وان لا يغلظ عليهم آلا في ما يحتاج الى ذلك
ويتطلبه ، وان لم ينفع نصحه او خشي آلا يعملوا به دفع اليهم باحد الصالحين
الموثوقين لينصحهم ويفهمهم فيتثبتون ويعودون ولا يعيدون
7-
أن ينظر مع من يجلسون ، ومن يرافقون ، ويصاحبون فينهاهم عن المفسدين الفاسدين
، ويحثهم على الصالحين المصلحين ، وان يبين لهم فضل مصاحبة أصحاب الخير ،
وأصدقاء الوفى والتقى ، وأن يحذرهم من شر مصاحبة أصحاب السؤ ، وأصدقاء الشر
والهوى ، فيكون في ذلك نفع لهم دنيا وأخرة قال سبحانه : ( الاخلاء يومئذ
بعضهم لبعض عدو آلا المتقين )
8-
أن ينظر فيما فيه صلاح لهم بالدنيا والآخرة فيأتي به ، وفيما فيه مضرة لهم في
الدنيا والاخرة فيمنعهم عنهم ويمنعهم عنه ، وان تضارب في الشيء مصلحة الدنيا
بمصلحة الاخرة قدم مصلحة الاخرة واخّر مصلحة الدنيا فيأتي به أو يرده ، هذا
ويتجنب اعطائهم كل ما يشتهون دون مراقبة ولغير مصلحة ، وكذلك لا يمنع عنهم ما
يطلبون ما لم يكن فيه مضرة ، وليعودهم على الصبر ، وينشئهم على سيرة خير
البشر (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه والصالحين والصابرين المؤمنين
هذا ، وعسى الله ان يصلح لنا ابنائنا واخواننا وسائر ابناء المسلمين ويهدينا
ويهديهم الى الصلاح والفلاح انه سميع مجيب ....