صيد الفوائد saaid.org
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







خطوات الريادة ومراحلها (1)

عبدالسلام بن سعيد الشمراني

 
الرائد له من المواصفات ما ينبغي أن يجعله أهلاً لأن يرتاد لقومه، أو كذلك ينبغي أن يكون. تلك المواصفات الشاملة بجميع الجوانب النفسية والأخلاقية والجسمية والاجتماعية والقيادية والفراسة فإن لم تكن بدرجة عالية فلا أقل من أن تكون بدرجة كافية تؤهل الرائد للبقاء في المكان الجديد الذي يرتاده فيميز شوكة وورده وفاكهته وخشبه ، ويعرف نوعية التربة التي يريد أن يغرس فيها غرسه ، فما الذي تحتاجه، وما الذي فيها من إمكانيات سابقة ، وما الزرع الذي لا يصلح لها ، وهل هي مقفرة بكر ؟ أم سبق ارتيادها ؟ وهل كان الزرع السابق صالحاً أم فاسداً مفسداً ؟ وكيف يتعامل مع ذلك كله بحنكة وروية ووعي .
تعامل المتأني الذي سيبقى فترة طويلة ينتظر تلك السنابل التي رميت في تلك التربة فيجاهد الأشواك والصخور ، ينقب الأرض الصلبة لعلها إن لم تصلح هي فلعل داخلها من الكنوز ما يصلح ويفيد ، بل لربما استفاد حتى من صخورها الصلدة فلا يتحداها وإنما يستثمرها لدعوته فيصنع بها سدوداً وحواجز قوية تتصدى للمتسللين على المزرعة من سيل جارف أو حيوان عابث ولربما أن تصبح هذه الصخور الصلدة في يوم من الأيام أجوافها مليئة بالكنوز التي لو أحسنا التعامل معها لفتحت لنا أبواباً كانت مغلقة يستحيل أن تفتح إلا بقوة تلك الصخور .

ويحسن بنا ألا نوغل في الترميز إنما نجلي الأمر بأمثلة واقعية صارت مثلاً لا يمكن ان يتكرر من الرواد ، ومن تلك الأمثلة الفريدة تتضح صفات الرواد:

أولاً : مصعب بن عمير :

1 ـ نشأة مستقرة :
إن الاستقرار يعني الاستمرار ، فمن لم يكن مستقراً فلن يبقى مستمراً ، واهم ما يكون الاستقرار في أمرين " الأمور الاجتماعية ، والأمور النفسية " فالأمور الاجتماعية هي المستند الصلب الذي يضع عليها المنطلق قدميه لينطلق ، فإن كان المستند رخواً زلق ، وقد تصيب مقتلاً ، ولا أعني بالاستقرار أن يجد أسرة معينة متعاونة متفاعلة داعمة فهذا هو الأكمل ولكن المقصود أن لا يمثل الجانب الاجتماعي في نفس الرائد عامل جذب ، وهاجساً يتعاوده بين الفينة والأخرى ، بمعنى ألا يمثل له الجانب الاجتماعي مجاهدة ملحة تستوقفه من الحين للآخر . وتستدعي منه التفافة كل فترة قد تكون مقعدة ، وأقل درجاتها ان تبقى جاذبة للرائد من الخلف مما يتسبب في أحد أمرين :
الأمر الأول : أن يبقى في مجاهدة مضنية يبذل من الجهد ما لو بذله في السير إلى الهدف لوصل في فترة أقل وبجهد نفسي وبدني أكثر تركيزاُ وإتقاناً .
الأمر الثاني : أن يضعف كلما تقدم به الوقت وطال عليه الأمر وتأخر النصر وطال الطريق مما يجعله يستسلم أو يركن إلى المسالمة او يضحي بشيء من الفكر والجهد .
ولو تأملنا في حياة هذا العلم لوجدناه يعيش منذ نعومة أضفاره في أسرة مليئة بالحنان والدفء والرفاهية والاستقرار حتى كان أهل مكة كلهم يتمنون أن يتفيؤوا بظلال كظلال تلك الأسرة المترفة ومن المعلوم أن أبناء الأسرة الجيدة الحال أكثر حظاً من غيرهم من حيث التدريب والتربية والاهتمام والقيادة والوصول إلى مراكز مرموقة .
وقد كان ذلك وأكثر للنجم العظيم " مصعب بن عمير " حتى كان الطريق الذي يسير فيه يعرفه الناس بزكاء الرائحة ، بل صار مضرباً للمثل بالحياة الهانئة المستقرة السعيدة .
وقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ما رأيت بمكة أحسن لمة ولا أرق حلة ولا انعم نعمة من مصعب بن عمير )

ثانياً : نسب عريق :
فهو الشهيد العظيم " مصعب بن عمير بن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي بن كلاب ذو نسب عال ، ومجدٍ رفيع ، فهو من بني عبد الدار ، ذلك البطن العريق ،من أعرق الأنساب ، وأكرم الطبائع ، وخيار من خيار ، فإن خير الأنساب العرب ، ، وخير العرب قريش وخير قريش بنو هاشم وخير بنو هاشم محمد صلى الله عليه وسلم فهو خيار من خيار كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم وكذلك مصعب هو من خير الناس ، ومن خير الأنساب . وان الكلام في الأنساب يحتاج من المتحدث أن يكون واضحاً فيما يرمي إليه من القول ، ويجب أن تصل الرسالة إلى المتأمل كما أريد لها أن تصل ، لا كما يفهم كثير من الناس . وخصوصاً عند اختلال المقاييس .
إن النسب وحده لا يغني " فمن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه "

فلا تحسب الأنساب تنجيك من لظى *** وإن كنت من قيس وعبد مدان
أبو لهب في النار وهو ابن هاشم *** وسلمان في الفردوس من خرسان

أما إذا كان الحديث عن مثل صاحبنا فقد جمع من النسب أعلاه ومن الخلق أزكاه ومن الشجاعة ورباطة الجأش ، وقوة القلب ما قل نظيره ، ومن الصحبة أفضلها ، ومن حسن الختام ما يتمناه العظماء ، ومن الزهد ، ومن القصد وقوة السير إلى الله ما أدهش السابقين فضلاً عمن سواهم ، إن النسب لباس يزيد صاحبه رونقاً وبهاءً فمن فاته كرم المحتد وعلو النسب بدا غير جميل لا غير ، ولك أن تتأمل هل ينبجي اللباس الجميل من النار أو هل يرفع صاحبه في الجنة كذلك النسب فإذا التقى اللباس الجميل على الخلق الجميل على الشكل الجميل فالله جميل يحب الجمال ولكنه سبحانه لم يضعه أبداً في الميزان بل لم يصرف له شيئاً من نظره عندما ينظر إلى عباده الصالحين .
فعندما يرتفع المرء بدينه وبخلقه وبجماله وبحسبه
فما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعت وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل
فما أجمل مصعباً دينا ، وما أجمله شكلاً ، وما أرفعه نسباً ، وما اهنأه منزلاً عند ربه . { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم }

ثالثاً : وجمال أخاذ:
إذا جُمِّل الباطل بالتقوى، وأورثت التقوى التواضع ، وأثمر التواضع جمال القول ، ثم وضع ذلك كله في إناء العمل الجميل ، وألبس ذلك كله لباس القبول الذي يمحو كل عيب ثم خُلطت جميعاً مع جمالٍ أخاذ ، فذلك المجد كله .

فجمال في القول، وجمال في الفعل، وجمال في المظهر، وجمال المخبر فذلك نور على نور {يهدي الله لنوره من يشاء..}
كأن من يراه يأسره بجماله، فمن فلت من أسر جمال الشكل وقع في أسر جمال القول فمن لم يبال بالقول الجميل، أسره بجمال الطباع، ويحيط بذلك كله سياج من نور السريرة التي لا يتخطاها أعتى الخصوم، ولا يفلها حتى الموت، لأن السرائر لا حدود لها ولا مكان لها، ولا تأريخ لها، ولا فناء لها، لأنها تقتبس من نور الله، والله متم نوره ولو كره الكافرون والمشركون والمجرمون.
الجمال لباس، وليس قياس.
الجمال بلا فعال داءٌ عضال.
الجمال بلا دين لباس مشين.
الجمال إن قاد إلى غرور قاد صاحبه إلى السفال.
والجمال إذا نُفخ فيه روح الدين فهو لصاحبه كمال.
والجمال مُذهب للسآمة، ويبعث الفأل، ويريح البال.
الجمال إذا امتُهن وأُهين بالرذيلة والمعصية كان وصمة عار، وقاد إلى البوار وأدخل صاحبه النار.
الجمال يكتمل بأربع: جمال الفعال، وجمال الطباع، وجما المحتد والنسب، وجمال المظهر.
والجمال يقبح بأربع: خبث السريرة، وسوء الفعل، وتدنيس الشرف، والعلو والصلف.
من تجمل بالشكل فقط فلن يسود قط، ومن تجمل بالفعل فقط ابتعد عن الغلط، ومن ألبس الشكل الفعل، والسريرة المظهر، فذلك الحظ العظيم.
إذا وُجد جمال المظهر غطى على كثير من عيوب صاحبه ولكنه لا يكفي. لأنه لا يدوم ستر جمال المظهر إلا بدوام شبابه وهل يدوم أحد{كل من عليها فان}
وإذا وُجد جمال الفعل والسريرة غطى على كل قبح وسيبقى ما بقيت السموات والأرض إلا ماشاء ربك عطاءً غير مجذوذ
ولم يجمع جمال الأفعال الأقوال والسرائر إلا قليل ممن اصطفاهم الله وان الناس يتفاوتون في ذلك فمستقل ومستكثر وإن الذي جمع له ذلك كله " النبي العظيم " عليه افضل الصلاة والتسليم وإن مصعباً ليشبهه الشبه الكبير في الجمال والفعال ، حتى اختلط على ابن قمئة عند قتله مصعب في أحد ، فصاح قد قتلت محمداً ، وماقتلوه ولكن شبه لهم بل إنه من القلة الذين أكرمو بقربهم من جماله وفعاله .

رابعاً : ذكاء متقد:
البليد مأجور بعمله ، مأجور بصبره على ما فاته ، يكرم على فعاله ، ويحرص على وصاله ولا يهمل من المجتمع أحد أبدا " فإنما تنصرون بضعفائكم "
هذا كله لا يعني أن يُعطي مالا يستحق ويكلف ما لا يطيق ، ويُرمى فيما لا يجيد. " كلٌ قد علم صلاته وتسبيحه "
الأرزاق كما أنها فضل فإنها أيضاً مسئولية ، فمن حُرم الفضل أعفي من المسئولية فإن رزقت عقلاً متقداً ، وذكاءً أخاذاً ، وسرعة بديهة ، وجمال منطق ، وحسن مظهر ونسب عريق ، وأسرة مربية ، وفرص سانحة ، ومال وفير ، وشجاعة ورباطة جأش ، وقوة بدن، وصبر وجلد ، وعلم زاخر ، وتتسابق إليك الأضواء .
هل حسابك كمن عاش مولى ، اسود الوجه ، قليل المال ، معقود اللسان ، ضعيف الجنان ، هزيل البدن ، مغمور بعيد من الأضواء ، بلا أسرة ولا أهل ، ضائع النسب ابتلاه الله بنقص المال وجوع في البطن ، وخوف الجنان .

لا يستويان.
مصعب رضي الله عنه قد حمِّل أمانات كثيرة " من أسناها الذكاء المتوقد " فحملها مصعب وحفظها فحفظه الله وزاده عطاء وحبوراً , وسيلقى ربه مسروراً . ذلك وعدلا يخلف " ويستبشرون بالذين لم يحلقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، يستبشرون بنعمة من الله وفضل وان الله لا يضيع اجر المؤمنين "
الجمال قد يغني عنه غيره ، وهو لا يغني عن غيره ، أما الذكاء فلا يغني عنه غيره ، وهو يغني عن غيره.
الجمال وبال بلا دين ، فإن لم يكن هناك دين ، فخلق وعقل حابس .
أما الذكاء فوبال بلا دين ، وبال على الذات، وبال على الأمة ن وبال على الدين ، وبال على التاريخ ، والذكاء وبال حتى مع الخلق إذا غاب الدين .
لا خير في ذكاء بلا زكاء فكم عانت الأمة من ذكي وليس بزكي فمن دسى ذكاءه فقد خاب ، ومن زكاه فقد افلح { قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها }
فما ظنكم بذكاء ألبس القرآن وتزين بالصحبة ، وتسلح بالهجرة ، وتوج بالشهادة ذكاء للدعوة مبذول ، ويسير على أثر الرسول ، وزهد في زينة الدنيا فهو بحب الجنة مشغول

لهم همم لا منتهى لكبارها *** وهمته الصغرى أجل من الدهر .

ذكاء دله على طريق مختصر إلى الجنة ، فسار فيه متقبلاً كل ما يلقاه من المحنة فحط رحاله في الجنة ، فضل من ذي العطاء والمنة.
اللهم إنا نسألك من فضلك ،،

خامساً : صفاء سريرة:
الذي حاز على ما سبق من نشأة مستقرة ومن نسب عريق ومن ذكاء متوقد ومن جمال جذاب كثير ، ولكن الذين ألبسوها كلها سريرة صافية أقل من القليل .
وقد كانوا إذا عدوا قليلاً فقد صاروا أقل من القليل
مصعب أشتغل بربه ولم يتلفت إلى سواه حتى أمه الرؤوم مع بره بها تجاهل مطالبها المعيقة لسيره إلى باريه، قد أحسن في الأفعال، وألآن في الأقوال، وسار إلى ذي الجلال، وتقلل حتى من الحلال ، فنال ما نال،وإن كان عن غيره بعيد المنال .
إذا ما راية رفعت لمجدٍ تلقاها عرابة باليمين
عالج ما في قلبه، ووثق علاقته بربه ، وعلى اثر الرسول سار وثبت على دربه ، وبذل لخالقه ولرسوله بحبه ، وحب الجنة ملأ جميع ذرات قلبه ، فما اتسع قلبه لحب غير دينه وربه ، ولسان حاله يقول :

غدا نلقي الأحبة *** محمداً وصحبه

هنيئاً لمن امتلأت سريرته بهدف واحدٍ حتى لا يبقى لغيره متسع ، قلب مستقر لم يتشتت ، وسير حثيث لم يتعثر .
إن أولئك الذين صلحت سرائرهم ، ووحدت أهدافهم وملأت غاياتهم جميع ذرات قلوبهم أولئك الذين لا يصلح إي تاريخ إلا بسيرهم ، وتبقى أبد الدهر أقوالهم وأفعالهم حتى وإن كانت قليلة .

فعجباً للتاريخ الذي كالغربال لا يبقى فيه إلا الجميل وإن كان قليلاً والقبيح يتساقط وإن كان أكثر عدداً، وأقوى ساعداً.
إنك عندما تقرأ التاريخ لتعجب والله أشد العجب كيف يحفظ مقولات لا تتجاوز بضع كلمات وحتى وإن كانت السنين بالمئات ، ويسقط مقولات كلماتها بالمئات لأنها ماتت على شفاه أصحابها قبل أن تدون في التاريخ ، حتى وإن كانت أكثر رونقاً وأقوى جنداً لكنها زبد " فأما الزبد فيذهب جفاء وإما ما نيفع الناس فيمكث في الأرض "

إن صفاء السريرة هي العمل العظيم الذي ليس له جزاء إلا الجنة حتى وإن كان العمل في عين الناظر لقليل .
إن صفاء السريرة عمل ليس فيه رياء ولا سمعة لأنه لا يُرى بالعين المجردة ، ولا يرى حتى بأكبر ما توصل إليه العلم من الأشعات فوق وتحت وبين لأن ذلك من علم الله {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} ولا يمكن ادعاؤه لأن الناقد بصير .
صافي السريرة يلتحق بعالم الخلود إما في تاريخ البشر ، ولا يهم ذلك كثيراً عند أولئك، وإما في صحائف رب البشر في دار الخلود.
مصعب بن عمير خلدته سيرته وسريرته ، سيرته المليئة بالأفعال ، وسريرته التي قادته إلى منازل الشهداء .

لم يتعب كثيراً في سلوكه طريقه إلى الجنة ، لأنه جمع همه كله حتى صار هماً واحداً ، واتجه نحوه لا يلوي على شيء ، ويستحيل أن تصفى سريرة أولئك الذين يلتفتون عن أهدافهم ذات اليمين وذات الشمال ، إما بحلال وإما بحرام كيف لا وقد كان الحبيب صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يذهل قال" لبيك لا عيش إلا عيش الآخرة " وكأنه التفت إلى ما يشغله عن ربه فيقول : لبيك . أي استجبت لك يا رب واشتغلت بك عما سواك وبالأخرى عن الدنيا.
إن معاناة الأمة الآن ليست فقط من أفرادها الذين اشتغلوا بالدنيا عن الدين ، إن جزءً من معاناة الأمة اليوم تكمن في اتساخ سرائر الدعاة والمصلحين فضلاً عن العامة، إما اتساخ بتحزب، وإما بزغلٍ ، وإما بدينا ، وإما بقلة ورع ، وإما بالتفاتات اخرى إلى منصب أوشهرة أو شهوة ، إن الطين جذاب ، ولا يقوى على الفكاك من جاذبيته إلا من يملك دافعاً ذاتياً لا خارجياً ، وإن أقوى الدوافع الذاتية صفاء السرائر . فهل يصلح ان يكون الرائد متسخ السريرة ؟
إن الأقوال إذا خرجت من سريرة صافية رفعت عنها الحجب ، وأذابت القيود والأغلال التي تُغلُّ بها القلوب ، وتفتح ابواباً قد أوصدت على القلوب ، وتبقى سائرة ما دامت السماوات والأرض حتى تلتقي مع صاحبها التي كانت له نوراً في الدنيا.
تلتقي معه على الصراط المظلم فتكون له نوراً {ومن لم يجعل الله له نوراً فماله من نور} .

أن النفوس تسبح بأصحابها كالفراش ، وإن السريرة الصافية هو ذلك النور الجاذب تتهافت عليه النفوس . فعن عبدالله بن سلام رضي الله عنه قال {عندما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة أتيت لأرى وجهه وكنت صاحب فراسة ومهارة أعرف بها الصادق من غيره ، فكان أول ما سمعته يقول : أطعموا الطعام وردوا السلام وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام " قال فعرفت وجهه أنه ليس بوجه كاذب} .
إن صفاء السريرة له ذبذبات تسبح في الكون ولو استطاع البشر بتوفيق من الله ومدد أن يكتشفوا تلك الذبذبات لرأوا من العجب اشدَّ مما وجدوه من ذبذبات الصدى والصورة والمكتشفات الحديثة .

إن صفاء السريرة لا يغني عنه سواه ، وهو يغني عن كل ما سواه .
من لم يصفِ سريرته وسار في حقل الدعوة فلا يتعب كثيرا فنهايته النفور من الناس ونفور الناس منه .
إن الدين والدعوة نبات طيب كشجرة طيبة لا تنبت إلا في أرض طيبة ، ولا يغرسها إلا أيد طيبة، فالله طيب لا يقبل إلا طيباً."
إن صفاء السريرة لا يمكن لمثلي أن يحيط بوصفها ، ورصيدي من العبارات التي تحيط بجمالها وجلالها رصيد قليل ، فهي تستمد جمالها وجلالها من جمال وجلال ذي الجلال والإكرام الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار{ وهو بكل شيء محيط } {ولا يحيطون بشيء من علمه} والسريرة مما تتعسر على الوصف لأنها سرٌّ بين العبد وربه محلُّ نظر الرب ، وإن الله ليعجب ، ويضحك من أفعال أصحابها كما ورد من النصوص في عجب الله وضحك الله من أفعال أولئك الذين طأطأ لهم التأريخ رأسه ، فامتطوا ظهره ، فسار بهم إلى الأبد ، يتجمل بهم ، وهو بدونهم غير جميل ، واحسب أنه يكفي أن أورد ما أظهر الله لنا من سريرة الحبيب صلى الله عليه وسلم مع أن سريرته وعلانيته سواء فلن يتعب الواصف في كشفها بقدر ما يتعب في طول وصفه لها وعدم الإحاطة بها . ولكن سأقطف منها ما يتعلق بموضوعنا من الهمسات ونجمنا"مصعب" واحسب أنها من احوج من نحتاجه نحن المسلمين في هذا العصر.
قال جلَّ شأنه { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات}وقوله{فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا}

إنه رحمة من ربه عليه أفضل الصلاة والسلام ، إن رحمته ورأفته بالعباد جميعاً ، بالعالم أجمع، بالخلق كله، إنسه وجنه، بالنبات بالجماد وبالحيوان، مالا يخطر على بال. إن علاقته بالكون علاقة الرحمة والشفقة بل قل علاقة الحب .

أولاً: الحب للجماد : " جبل أحد جبل يحبنا ونحبه " عجبا للسرائر كيف تمكن صاحبها حتى يتربع على منابر القلوب ، بل في أعماق الجماد ، ولو أحب أقوام اليوم الجماد لما فعلوا فيه من العبث الذي ليس من الاستخلاف في شيء ما فعلوا . إنهم سخروا عقولهم في تدمير الكون ويتبارون في ذلك .
بدلاًً من أن يسخروها لعمارته سخروها لدماره ، دماره بالمعصية ، دماره بالتلوث ، دماره بالفساد الشامل الذي {تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً}، فساد في البر ، فساد في البحر ، فساد في الجو{ ظهر الفساد في البر والبحربما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون } تجارب نووية أفسدت على الأسماك حياتها ، تجارب كيماوية أفسدت على الناس حياتهم . نار وشنار ودمار فمتى يشبع هؤلاء .؟
إن الفساد إذا بدأ في سيره ليستشري حتى ينال كل شيءٍ وإن نواة الفساد وبدايته وشرارته هي فساد السرائر .
إن محمداً صلى الله عليه وسلم صاحب السريرة الصافية النقية يرحم الجماد حتى في عباراته أليس القائل " أسكن أحد " يا الله ما ألطفها من كلمة وهي مع الصلد ونحن نحتاجها ليس مع الصلد اليوم ولا مع النبات ولا مع الخصم بل إننا نفتقدها بين الصالحين فضلاً عن غيرهم.

ثانياً: حب ورحمة للنبات ، لغرسه{إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فاستطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسعها} للمحافظة على حياته وبقائه وعدم قطعه بدون وجه حق {ولا تقطعوا شجرة} حتى إن النبات ليتطلع شوقاً وحباً لمحمد صلى الله عليه وسلم ويتمثل ذلك في مواقف كثيرة منها ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا استظل بشجرة مالت عليه أغصانها كأنها تحييه وتظلله وتعانقه .

وما ورد أيضاً عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال {إني لأعرف أشجاراً وأحجارا كانت تسلم علي بالرسالة في مكة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
بل إنه لتطيعه حتى لو طلب من الشجرة أن تترك مكانها لتركته، وورد عن احد الصحابة انه قال {كنا في سفر فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضي حاجته فلم يجد ما يستتر فيه فقال صلى الله عليه وسلم له : اذهب إلى تلك الشجرة واسحبها بغصنها وتعال بها فذهبت وسحبتها فانقادت لي حتى وصلنا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قال اذهب إلى تلك الشجرة فاسحبها وتعال بها فذهبت وفعلت بها ما فعلت بأختها فجلس بينهما صلى الله عليه وسلم وهي تستره وتغطيه حتى قضى حاجته ثم قال لها: ارجعي فرجعت } أي حب ذاك؟ وعندما فارق الجذع بكى فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من على المنبر وأخذ يضمه ويسليه ويقول:والذي نفسي بيده لولم أفعل لبقي يئن إلى يوم القيامة !! يا الله كم من أناس يضحك أهلوهم إذا فارقوهم ويبكون إن لاقوهم، قوم نزعت الرحمة من قلوبهم تبغضهم الأرض والنبات والحشرات وتلعنهم وأما محمد صلى الله عليه وسلم فيبكي عليه نبات الأرض.

ثالثاً: وحب ورحمة بالحيوان لا تكاد توصف ويكفينا أثران في ذلك{ذلك الجمل الذي كان يصيح ويرغي حتى رأى حبيبه صلى الله عليه وسلم فمدَّ عنقه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لصاحبه إنه ليشتكي إليَّ منك} يا الله {وكذلك اليمامة وهي تحلق فوق رأسه وتصيح فقال صلى الله عليه وسلم إنها لتشتكي إليَّ منكم فمن أخذ أبناءها؟ من فجعها بأبنائها؟ فقال احد الجالسين أنا يا رسول الله ، قال رد عليها أولادها} .
فكيف بأقوام قتلوا البشر ، اغتصبوا النساء ، يتمو الأطفال ، أبادوا الرجال وهم يدّعون الرفق بالحيوان ، تقام الدعاوى في المحاكم بين رجل وآخر في كلب ضرب أو قتل فيدان القاتل ويأخذ جزاءه وهم قد قتلوا في يوم واحد رحمة منهم وشفقة وحرصاً على أن يوصلوا علمهم العظيم وحريتهم وثقافتهم ورفقهم بالحيوان قتلوا في يوم واحد ما يزيد على سبيعن الفاً ليس مرة ولا مرتين بل إن الدماء لتتواصل في بقاع العالم بفضل ثقافة أهل الشذوذ والرفق بالحيوان .

رابعاً: حب ورحمة بالجن الإنس{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} فيكفي أن نفسه لتكتاد تحترق بين جوانحه رحمة وشفقة وخوفاً على الجن والإنس من العذاب .
رحمة وشفقة ليس بالأتباع المطيعين فذلك لا يمكنني وصفه في هذه العجالة بل رحمة وشفقة بالمنافق المندس في الصف ، والكافر المتربص بالسلاح لينقض عند الغفلة ليقتله ويبيده ، رحمة بمن امتلأت قلوبهم ضغينة وبغضاً وحقداُ وشراً ، رحمة بعدوه وعدو ربه ، حتى وصلت تلك الشفقة والرحمة حداً جعلت ربه ينهاه عنها لما يلاقي منها .(إنه يزور اليهودي وهو يغرغر ويحترق قلبه عليه خشية أن يموت على باطله فيبقى يدعوه إلى آخر لحظة من حياته فيقول أبوه أطع أبا القاسم فينطق الشهادة فيخرج ووجهه يتهلل وهو يقول الحمدلله الذي أنقذه من النار بي)
فياليتنا نلاقي من إخواننا ويلقي إخواننا منا من الرحمة وصفاء السريرة ما كان يلقاه الأعداء من رسول الحب والرحمة عليه أفضل الصلاة والسلام
"كلما علا الروح إلى السماء وتعلق بربه، ابتعد عن لوثة الطين واتساخه ، وإن أعظم أوساخه الحقد والتناحر ، وسوء السريرة ، ولا تأتي كلها إلا من التناحر في الطين فالعظماء يتنافسون في الدار التي لا تدخلها الصدور ، والأجسام ، والقلوب إلا صافية { ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخواناً}فمن نافس فيهاعلا وصفى، ومن نافس في الدينا فلا يتنافس في الطين إلا الديدان

إن أولئك الذين تعاني نفوسهم من ثقل همومهم من اجل الإصلاح لا يستوون هم وأولئك الذين يرزحون تحت المهدئات من الضغوط النفسية من أجل الدينا ومتابعة البورصات وصالا ت التداول فشتان بين من همه لبطنه وبين من همه لأمته ودينه .

شتان بين من ينافس في الطين وبين من يتنافسون في الدين . .
إن صاحب السريرة الصافية يشفق على الناس أجمعين ويتمنى لهم الخير والهدى ومن حرم تلك السريرة فإن أول من يكتوى بلظاه هي نفسه .
إن السريرة الحسنة فضل من الله وتوفيق يؤتيها من يشاء{والله ذو الفضل العظيم } فابذل لذلك سبباً فإن أدمنت قرع بابه يوشك أن تلج .


" ومدمن القرع للأبواب أن يلجا "
 

خطوات الريادة ومراحلها (2) .....
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
 عبدالسلام الشمراني
  • مقالات تربوية
  • ثمرات الأوراق
  • مسائل فقهية
  • خواطر
  • دروس تربوية
  • دروس ومحاضرات
  • عروض بوربوينت
  • السيرة
  • قصائد
  • الصفحة الرئيسية